من ينكر أفضال أمريكا..!

TT

عم يتساءلون هذه الأيام إلا عن نبأ أمريكا، فمن ينكر فضلها عندهم إلا مكابر، ولا ينسى إنعامها إلا جحود !؟ أليست أمريكا هي التي قوضت أعتى الديكتاتوريات في منطقتنا ممن تولت وسعت في الأرض فسادا وأهلكت حرث شعوبها ونسلها، فتحول وحل الديكتاتورية بأفضالها إلى واحة الديموقراطية في المنطقة، وأضحت صناديق الاقتراع تفوق في العدد صناديق ملفات سجون الرأي والحريات، أليس سقف الحرية الإعلامية بفضل أمريكا في صعود ينافس فيه صعود أسهم الشركات الخليجية هذه الأيام ؟

أليست أمريكا المظلومة هي التي تجرأت فلوت أذرع حكومات أخرى تنزع للاستبداد وينخر فيها الفساد، وليس ثمة مودة ولا ثقة متبادلة بين الحاكم والمحكوم، فجعلتهم يقدمون على ما كان بالأمس من المحظورات والمحرمات؟

أليست أمريكا وليست غيرها التي ضغطت للتبشير بالديموقراطيات والحريات وحقوق الإنسان بين الحكومات العربية على تفاوت في الضغط، ما بين الضغط الناعم إلى الضغط الذي قد يصل إلى كسر العظم، حتى ولجت تغييرات وتبديلات لم تكن في يوم من الأيام إلا في الأحلام، فدخلت الانتخابات الرئاسية وغير الرئاسية إلى بلدان لم تعرف هذه المصطلحات أصلا..!؟

ثم أليست أمريكا هي التي جعلت هذه الأيام دولة شرق أوسطية طغت وتجبرت على شعبها، فقمعته وجعلته في دولته داخل سجن كبير وحرمته من أبسط متطلبات العيش الكريم، ليس خدمة الهاتف الجوال والأطباق الفضائية (إلى وقت قريب) إلا إحدى النكت العصرية الكبرى؟ كما شملت بنعيم ابتزازها تقريبا اغلب الدول الغنية وغير الغنية حتى دعموها اتقاء شرها وتسلطها، وهي أيضا التي اعتبرت دولة مجاورة حديقة خلفية بل ملحقا صغيرا لبيتها فصالت فيه وجالت ودول المنطقة تتفرج كسيرة حسيرة على هذه المسرحية الهزلية أو البلطجة الدولية المكشوفة، ثم تأتي أمريكا المخلص لتمرغ أنف (القبضايا) هذه المرة في تراب المهانة والمذلة..؟

وقبل ذلك، أليست أمريكا هي التي قدرت عاطفة شعوبنا المسلمة فتدخلت عسكريا لنصرة المسلمين البوسنيين ضد الصرب الغاصبين، وتدخلت إغاثيا لصالح الصومال الذي عانى أسوا مجاعة في تاريخه ؟

ومن هو الذي جر إسرائيل من أذنها لتخرج من المناطق الفلسطينية المحتلة وآخرها قطاع غزة المكتنز بالثورة والإباء، ليس غير أمريكا المتفضل المنعم.

هذه الأسئلة حلقات من سلسلة طويلة من الدفاعات والتحصينات والتلميعات للوجه الأمريكي الكالح في المنطقة، نقرأها في إعلامنا العربي بين الفينة والأخرى وهو النشاز بحمد الله، لكنهم حين وضعوا هذه المدخلات الأمريكية في المنطقة العربية أعرضوا بعناد وصلف عن المخرجات العربية، التي تمقت كل ما له صلة بأمريكا، التي لم تجد سياستها وبرامجها وأجندتها ومشاريعها وخططها لزرع الحريات ونشر الديموقراطية والتبشير بحقوق الإنسان من شعوب منطقتنا على اختلاف مشاربهم وتنوع توجهاتهم، إلا المقت والكره والازدراء.

مسكينة أمريكا، لم تنفعها تقنياتها الهائلة وجيوشها الجرارة وسيطرتها على كوكبنا وهيمنتها على حكوماته، أن تجد من يهضمها ويتحمل سياستها وخططها وتبشيرها بالحريات والديموقراطيات، وبغد موعود لحقوق الإنسان في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط تحديدا.

شعوب المنطقة فعلا تعاني من الكبت والتضييق على الحريات والفساد والتسلط السياسي والقهر الذي ضرب اطنابه في العمق العربي وعشعش فيها وفرخ، وتتوق لنسائم الحريات وربيع الديموقراطيات الحقيقية. كل ذلك صحيح، لكن ما لم تفهمه أمريكا وأحباب أمريكا في منطقتنا إلى الآن ولعلهم يفهمونها بعد نهاية الدرس العراقي، أن الشعوب العربية بالفطرة ترفض الحلول ذات العلامة الأمريكية المسجلة مهما كانت مبرراتها ومسوغاتها، وترفضها أكثر في ظل حكومتها تحت تأثير المخدر الديني المتطرف.

الشعوب العربية الصابرة تفضل أن ترعى الغنم تحت حكومات عربية متسلطة، على أن ترعى الخنازير تحت حكومات نشأت بالمقاييس والمواصفات الأمريكية حتى ولو زعمت أن هذه الحكومات المسخ واحة من واحات الرخاء والديموقراطية والحرية، فالمستجير بعمرو الأمريكي عند كربته كالمستجير من رمضاء الاستبداد العربي بالنار الأمريكية.

[email protected]