مديح أهل مكة

TT

ذكر المؤرخون أن أهل مكة يحرصون على لبس الملابس النظيفة الحسنة، وأنهم يقتصرون في أكلهم على تناول وجبة واحدة عقب صلاة العصر، مع تناول التمر في سائر النهار، وانعكس هذا بالطبع على صحة أجسامهم وخلوها من الأمراض.

وقد ازدهرت بمكة الأسواق، فكان هناك سوق تجاري ما بين الصفا والمروة، تباع فيه الأطعمة، وسوق للبزارين والعطارين والدقاقين والخياطين والمنجدين والحدادين والجواهرجية، وكذلك كان هناك سوق للعبيد والجواري المعروف بسوق (النخاسة) ـ وكان مثل هذا السوق الأخير موجودا في كل البلاد الإسلامية من أولها إلى آخرها طوال التاريخ إلى ما قبل مائة عام أو اقل.

كانت مكة تزخر بالمدارس، وبها ثماني مدارس أهمها (المظفرية أو المنصورية) التي قال عنها المؤرخون: إنها كانت من العظم بحيث يغبط ملوك الأرض بانيها ـ رغم أن بناءها اندثر الآن ولا ندري متى وكيف؟! ـ

ومن مزايا أهل مكة التي لا تنكر تعاطفهم وتكافلهم مع بعضهم بعضا، يقال: انه متى ما صنع احدهم وليمة، بدأ فيها بإطعام الفقراء المنقطعين، كما أن الواحد منهم إذا طبخ خبزه واحتمله إلى منزله، يتبعه المساكين فيعطي لكل واحد منهم ما قسم له، ولا يردهم خائبين، ولو كانت له خبزة واحدة فإنه يعطي ثلثها أو نصفها عن طيب نفس.. وكان يوجد في مكة (14رباطا) لإيواء الفقراء والمساكين ـ وهذا كان قبل أكثر من تسعة قرون، وها هو الشاعر في القرن العاشر يمتدح أهل مكة بهذه الأبيات، التي بدوري اهديها لأحفادهم في القرن الخامس عشر:

أحمد المصطفى وعترته الغر

وأصحابه النجوم الزهر

وسلام على الألى شيدوا العلم

وشادوا بناه من كل حبر

العدول الأيقاظ من كل جيل

الثقاة الحفاظ في كل عصر

أثروه وأثروه وأدوه

كما حملوه جوزوا بخير

نضرت منهم الوجوه وحازوا

قصب السبق من وجوه البر

بلغوه كما نصره وقرت

يا لعمري عيونهم بالنشر

حبذا فعلهم. وشكرا لمسعاهم

ونبلا بهم ورفعة قدر

طبعاً ككل بلاد الدنيا ليس كل أهل مكة هكذا، رغم أن السواد الأعظم منهم كذلك، واعرف الكثير منهم وأحطهم على عيني وعلى رأسي من فوق، كما اعرف القلائل منهم وهم لا يزيدون بأي حال عن عدد أصابع اليد الواحدة، عندما أقابل احدا منهم في طريق ضيق أحاول بقدر الامكان أن أتحاشاه، وبعضهم يلعب (بالثلاث ورقات) نهاراً جهاراً، وعلى المكشوف، دون أن يرف في عينه رمش.

[email protected]