أولاد الشارع

TT

في إحدى المكتبات العامة وفي اليوم المخصص للنساء دخلت مرة، فإذا بسيدة تتجادل مع موظفة الاستقبال، وتتوسل لتدخل، لكن الموظفة ترفض. وفي حين كنت أسجل اسمي في دفتر الزوار وجدت نفسي اسمع قصة طريفة. فقد كانت الموظفة ترفض دخول السيدة بعباءتها تبعا لقوانين المكتبة الأمنية، فلا يجوز لسيدة أن تدخل بعباءتها خاصة أن المكتبة نسائية 100%، بينما السيدة تحاول شرح حالتها التي لا تسمح لها بخلع عباءتها، لأنها تلبس ثوبا منزليا ثم فتحت السيدة عباءتها أمام الموظفات لتريهن ثيابها المنزلية، وقد كانت صادقة!

السيدة خرجت من منزلها وحضرت إلى مكتبة عامة من دون أن تكلف نفسها تغيير ثيابها أو التأنق طالما أن ثيابها تحت العباءة و«لا أحد شايف»، رغم أنها لا تظهر أمام جارتها أو قريباتها بالمنظر ذاته. لكن لا يهم أن تخرج لمكان عام بثياب منزلية طالما تسترها عباءة، وفي حالات كثيرة لا يرفع بعض النساء غطاء وجوههن، وهن بين نساء في المشاغل النسائية أو في المساجد وفي صالات انتظار النساء وبين النساء، فليس شائعا بينهن أن للمكان آدابه وليس للناس الغرباء عندنا احترامهم، مما يثير توتر بعض النساء وحنق بعضهن، وخوف بعضهن من هؤلاء الغامضات.

وإن كان النساء يسترن ثيابهن المنزلية بعباءاتهن فحال الرجال أٌقل حظا، فلا يجدون ما يستر ثيابهم المنزلية التي تظهر على الملأ جهارا على طريقة «لا يعيب الرجال شيء إلا جيبه» ـ وهذه الايام حتى الجيب لم يعد يعيب بعد أن صار سنة الرجل البحث عن موظفة ـ فينزلون فيها إلى الشارع إما لشراء الخبز من الخباز أو للصلاة في المسجد، ولولا صدور قوانين منع الدخول للمؤسسات الحكومية إلا بالثياب الرسمية لوجدتهم معك في الطابور.

وأغرب مشهد رأيته في هذا الموضوع أن هذه الثياب المنزلية رأيتها يوما تتجول بقربي في مدينة آسيوية، يمشي بها سائح سعودي وجد أن مدينة لا يعرفه فيها أحد يستطيع أن يلبس فيها ما يشاء، فلدينا مثل شعبي قليل التهذيب يشير إلى أن بلدا لا تعرف به أحدا لا يلزمك بشيء، ثم صار أناسا لا تعرفهم، ثم حيا لا تعرفه، ثم بيتا ليس بيتك، ثم تطور المثل وصار «أنت ومن بعدك الطوفان!».

الخروج من البيت بثياب النوم ليس إلا دلالة لما هو أعم، وهو افتقادنا للآداب العامة في السلوك وفي المعاملة غيابها في تربتنا المنزلية والمدرسية وفي المسجد. حتى صار لدينا أزمة تربية وأزمة سلوك حضاري، فلو وقفت في طابور جاءك من يتجاوزك بوجه بارد، بينما لا يفعل السلوك ذاته مع جماعته، وستجد أن سيارة تقفز فوق الرصيف وتتجاوز خطا من السيارات لتعود للطريق مرة أخرى، منظر مألوف في شوارعنا، لأن لا أحد يعرفه، أما مشاهد الزحام والتدافع بالأكتاف والتسابق، وإساءة أدب الأولاد في الشارع للمارة من غير السعوديين والتطاول عليهم بالنكات والتعليق فهو مظهر له علاقة بالطرافة وخفة الدم وليس بسوء الأدب، فلو مر عامل آسيوي ضعيف لنشر الشباب حوله تعليقات مضحكة، ولو مر رجل سوري لسمعت الشاب وسط شلته يقلد له شخصية سورية درامية مضحكة كـ«غوار الطوشي» مثلا، ولو مر مصري أو عائلة مصرية لسمعتهم يقلدون عبارات سمعوها في فيلم شهير، وقد يقول لك قائل إن هؤلاء الأولاد لا تبلغ بهم الجرأة في منازلهم لفعل سلوك مشابه، فما هو السبب الذي يجعلهم أكثر جرأة في الشارع؟

ولأنني تعودت أن أجد عند بعض القراء اجابات أكثر ثراء من تحليلي، سأترك الإجابة لكم على أمل الفوز في مسابقات السحب على السيارة!

[email protected]