... ويوم عليك

TT

سئل نوري السعيد رئيس وزراء العراق الأسبق إبان العهد الملكي عن رأيه في الطريقة المثلى لحكم العراق، فقال: «يجب أن تشعرهم بقوتك، فهم لا يحترمون الضعيف ولو كان حكيما، ثم تعمل مخلصا للتعرف على مطالبهم الحقة، فتبادر إلى تحقيق العادل النافع منها»، وسواء أعمل نوري السعيد مخلصا بما يعتقد أنها الوصفة الناجعة لحكم العراق أم لم يعمل فإنه لم تمض سوى بضعة شهور على إطلاقه هذا القول حتى كان هو نفسه أحد ضحايا حكم العراق، إذ قتل ونكل بجثمانه في شوارع العراق!

وجاء بعده عبد الكريم قاسم الذي ظن أنه يمتلك وصفة خاصة لحكم العراق تختلف عن وصفة نوري السعيد قوامها محاكم المهدواي واستمالة الشيوعيين للسيطرة على الشارع، واكتشف الناس فساد هذه الوصفة بعد خمس سنوات حينما أظهر التلفزيون للعراقيين زعيمهم جثة هامدة.. وجاء عقبه عبدالسلام عارف، فلعب بأوراق البعثيين تارة وبأوراق القوميين تارة أخرى، وانتهى به الأمر في حادث سقوط طائرة يعتقد البعض أنه حادث مدبر، وخلفه في الحكم شقيقه عبدالرحمن عارف الذي حاول إرضاء كل الأطراف فتآمرت عليه كل الأطراف، وكان البعثيون بقيادة أحمد حسن البكر هم الأسرع في الإطاحة به. أما وصفة أحمد حسن البكر في حكم العراق فقد جعلها عشائرية تكريتية، فانقلب عليه التكريتي الذي تبناه وأحال البكر إلى التقاعد المبكر، وكانت وصفة صدام لحكم العراق بعد ذلك هي الأشرس والأعنف في تاريخ العراق.

مر كل ذلك التاريخ من أمامي قبل أيام وأنا أتابع اللقطات التي بثها التلفزيزن عن محاكمة صدام ورجاله، وكيف تحولت تلك الوجوه المتكبرة المتجبرة المتغطرسة إلى وجوه وجلة خائفة مضطربة، وقد حاولت أن استعيد إلى الذاكرة كلام مسؤول سابق في أحد الأنظمة الاستبدادية باح به لصحافي قائلا: «الإزعاج يأتيك فقط من القتيل الأول، فالجثة الأولى مقلقة ومربكة، بعدها عليك أن تقرر إما الخروج من اللعبة وإما الاستمرار فيها، والخروج يعني التقاعد والظل، أما الاستمرار فيعني الحضور والمخاطرة بأن تكون أنت ايضا مشروع جثة!»، ومما يؤسف له أن جل رجال صدام الذين يقفون معه اليوم في قفص الاتهام قد اختاروا سلفا الاستمرار في اللعبة بكل ما يحمل ذلك الخيار من مخاطرة، لذا فإن عليهم الآن القبول بنتائج هذه اللعبة، وقد انتهى اليوم الذي لهم، وجاء اليوم الذي عليهم، وهذه أشلاء ضحاياهم تلاحقهم، فتقلقهم وتربكهم.. والويل للقاتل من محاسبة القتيل.

[email protected]