تسونامي ميليس

TT

التقرير بشأن اغتيال الحريري والذي سلمه السيد ميليس الى الأمين العام للأمم المتحدة هو أشبه بالاعصار او الزلزال السياسي، وكل محاولات تبسيط المسألة وكل القراءات الساذجة للتقرير هي إضاعة للوقت والجهد.

ردة الفعل السورية التي عبر عنها وزير الاعلام السوري والذي يتحدث عادة بلغة معتدلة وفيها الكثير من الواقعية، كانت محبطة ومحزنة، فالحديث عن ان هذا التقرير سياسي وانه منحاز هو تحصيل حاصل لن يقدم ولن يؤخر في مجرى الأحداث المقبلة، ولن تنفع لغة الرفض والتشنج ولغة المؤامرات والخطط المعدة سلفا ضد سوريا في تغيير الواقع.

نريد ان نذهب اكثر من الموقف السوري ونقول، او نفترض ان التقرير منحاز، وانه مؤامرة محبوكة ضد سوريا، وانه يكذب، لكن ذلك لا يغير من حقيقة ان هناك تقريرا دوليا طال انتظاره تم اعداده بقرار أممي وتم تسليمه رسميا للأمم المتحدة وان هذا التقرير سيبحث في مجلس الامن، وان دولا عديدة على رأسها اميركا وفرنسا سيستخدمان هذا التقرير لاصدار قرارات دولية ضد سوريا، وانه سلاح قوي في يد تلك الدول، وان العالم لن يبحث في تفاصيل التقرير وملاحظاته الصغيرة ووقائعه ولكنه سيقرأ نتائجه، وهي نتائج ليست بالتأكيد لمصلحة سوريا.

امام القيادة السورية طريقان لا ثالث لهما، اما استخدام لغة الانفعال او لغة العقل، والاولى لغة عربية تستخدم للاستهلاك المحلي ولكنها منتهية الصلاحية ولا تعني احدا في المجتمع الدولي، وهذه اللغة الانفعالية هي ابسط وسيلة ولكنها اكثر تكلفة، اما لغة العقل فهي لغة المنطق والتعامل بواقعية مع التقرير، واعلان رغبة سوريا في التعاون مع المجتمع الدولي ورغبتها في اعادة النظر في التعامل مع المحققين الدوليين، واخطر ما تفعله سوريا هو الاستماع الى «المحللين الاستراتيجيين» في دمشق الذين يملأون الفضائيات العربية بالخطب العصماء، و«العنتريات التي ما قتلت ذبابة» كما يقول شاعر دمشق نزار قباني، او الى فريق العزف العربي المتشنج من الاحزاب القومجية والاصولية التي تطبل للحرب وهي أول من يفر منها، وتدعو الناس للمواجهة وهي تختبئ في جحورها عندما يقع الفاس في الراس.

على دمشق ان تتعلم من التجربة العراقية الكثير، وان تصغي الى لغة العقل وتضع المصالح الوطنية لسوريا فوق مصالح الجماعات المتطرفة واصحاب اللغة المحنطة التي تريد ان تقاتل العالم كله وهي غير قادرة على تدبير اصغر التفاصيل.

الايام القادمة صعبة. لكن العاقل من يتعظ ويتعلم ويفكر بعقله لا بعاطفته.