مشاهد سريالية

TT

عاب محاكمة صدام حسين الكثير، وشابتها عدة ملاحظات، فمن حيث التقنية الفنية لم يكن الصوت بمستوى الحدث، وكان لدى من نظم محاكمة صدام حسين ـ محاكمة القرن الحادي والعشرين ـ سنتين تقريبا ليتأكد من وضوح الصوت والصورة لحدثٍ كان ينتظره الكثيرون بفارغ الصبر، ولكن تم إغفال هذه المسألة الفنية الهامة.

كما لاحظ البعض عدم استعداد القاضي لاحتمالات رفض صدام الاعتراف به وبهيئة المحكمة، وهذه مسألة كان يتوقعها من كان يعرف بعضا من صفات شخصية صدام الذي لا يعترف إلا بصدام، وراح القاضي بين أخذ ورد مع صدام حول التعريف بهويته، وكأنه كان متفاجئا بإنكار المتهم صدام حسين لشرعية المحكمة ولشرعية القاضي.

ورغم كل الملاحظات هذه، إلا أن المشهد كان سرياليا بكل تجليات السريالية واللاواقعية، فمن كان يصدق أن صدام حسين ـ المهيب القائد الضرورة، أمير المؤمنين، وحامي البوابة الشرقية، وبطل العروبة والقومية العربية... إلخ ـ يقف متهما أمام محكمة جنائية للتحقيق معه، في شأن ما ارتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

لم تخل الساحة السياسية من مشاهد سريالية أخرى، فقد دافع عن ثقافة الجمال والبدو، وزير الخارجية العراقي (الكردي) هوشيار زيباري، في وجه تصريحات عنصرية أطلقها بيان جبر صولاغ وزير الداخلية العراقي، بينما صمت صمْت القبور عن الرد على هذه التصريحات بقية المسؤولين العراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء الدكتور إبراهيم الأشيقر (الجعفري حركيا)، والذي يقال بأنه ينحدر من قرية أشيقر في القصيم ـ والله أعلم، كما صمت قياديون آخرون، يقولون بأنهم من سلالة النبي البدوي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

من كان يصدق يوما، بأن عتاة رجال الأمن والعسس والمخابرات السورية في لبنان، وأزلامهم من اللبنانيين، يمكن أن يكونوا أفرادا يتم التحقيق معهم تحقيقا دوليا في مقتل شخصية لبنانية لا منصب رسمياً لها، ومن يدري، فقد تستمر الحالة «الميليسية» ـ نسبة إلى ميليس ـ لتطال كل من قتل بريئا في لبنان، وربما في أماكن أخرى.

ومن سريالية السياسة العربية أن تتجه الجامعة العربية لتهيئة أجواء «مصالحة» عراقية، تمهيدا للتعايش والسلم والديمقراطية وتداول سلمي ديمقراطي للسلطة، مما يذكر أن لدى الأمانة العامة للجامعة العربية حساسية مفرطة من أي حديث عن تداول منصب الأمانة العامة بين الدول الأعضاء في الجامعة.

ومن مفارقات المشهد العربي، أن المرأة في الكويت محرومة من التصويت حتى أسابيع مضت، لتتحول إلى وزيرة يحق لها التصويت والترشيح منذ أسابيع فقط، كان ممن عارضوا حقوق المرأة السياسية الكويتية «رجال» قالوا بعورة صوتها، وبولايتها العامة إن هي أصبحت نائبة برلمانية، وهم اليوم يجلسون في المقاعد الخلفية للنواب، وراء المقاعد الوزارية التي تضم وزيرة إمرأة .. ولا تعليق.

أشفق على جيل عربي يعيش مرحلة من الانفصامات في الشخصية السياسية العربية، وأملي ورجائي أن يكونوا في حالة ذهنية وضميرية أعلى وأرقى من سياستنا العربية، لا تفوق الواقع، بل تسمو وتتسامى عليه.