بل المواطنون الاقتصاديون

TT

في الدول الثورية عموما والعربية منها تحديدا، ما من أحد «يجرؤ» ويقدم رأيا آخر إلا وينعت بأبشع الأوصاف من امبريالية وصهيونية ورجعية وبرجوازية وتوتاليتارية وغيرها من كلمات الدلع الشبيه. تذكرت ذلك حين قراءة المقال الذي كتبه وزير العمل السعودي الدكتور غازي القصيبي الذي نعت وسمى فيه المتحفظين على قرارات وسياسات وزارة العمل باسم «الاستقداميون» في تلميح صريح منه بأن عددا كبيرا من رجال الاعمال والكتاب السعوديين، يفضلون الاستمرار في سياسة استقدام العمالة من الخارج، على حساب توطين الوظائف والقيام بدور وطني واجتماعي مهم، للمساهمة في تقليص تحدي البطالة.

والموضوع ليس بهذه الحدة، وليس هو الخيار بين الابيض أو الأسود، ولكنه حتما يتحمل درجات من اللون الرمادي. الدكتور غازي القصيبي بليغ ومتمكن من لغته، وهو أيضا في مكانة ومنصب فيه من التميز الشيء الكثير، ولكن الموضوع يتعلق بالواقع الاقتصادي الوطني السعودي وبمستقبله أيضا، وبالتالي يتطلب حوارا ونقاشا وقدرا من احسان الظن، دون تصنيف للآراء ولا مصادرتها.

من الواضح جدا أن هناك ضررا ما يحدث على الساحة الاقتصادية لا يمكن تجاهله، وذلك نتاج سياسات العمل الجديدة، وأن هذا الضرر ممكن قياسه بالفرص الاستثمارية التي توأد والأموال التي تهاجر، وبالتالي هناك «مساحة» من الفكر الوسطي للسياسة التوظيفية مطلوب الاتيان بها وبشكل سريع، قبل أن تتحول هذه السياسة الى عقدة مستديمة للاقتصاد السعودي المستثمر فيه.

تقسيم المتعاملين في سوق العمل السعودي الى فريقين بمبدأ من ليس معنا فهو علينا، ومن كان علينا فهو ضدنا، هي طريقة لا تخدم الهدف الرئيسي، وهو ايجاد حل لمشكلة تهم الجميع. كثيرون ممن لديهم تحفظات على سياسات التوظيف الحالية هم مواطنون واقتصاديون أمينون وصادقون، ومن حقهم أن يسمع لهم وأن يتم أخذ الكثير من نقاطهم وتحفظاتهم بعين الاعتبار، فهي تأتي من خبرة وتجربة ومن القلب أيضا. التأشيرات لا تزال تباع وتشترى وسياسات وزارة المالية في المناقصات لا تزال تشجع على «استمرار» الاستقدام نظرا لاتباعها سياسة الأرخص ثم الأرخص في تسعيرة العمالة.

الموضوع بحاجة لنقاش هادئ وعادل تراعى فيه الظروف كافة لجميع الأطراف من قطاع عام وخاص. وبدون ذلك ستكون الفرحة عارمة بنجاح العملية بالرغم من وفاة المريض نفسه. كل الأمل أن تزال عناصر الاصرار والتمسك بوجهة نظر وحيدة، والالتقاء في منطقة وسط تسمى المصلحة العامة بلا ضرر ولا ضرار.