من قتل هؤلاء..؟

TT

من المؤكد ان في الساحة العراقية، عدا عن ارهابيي الزرقاوي والبعثيين المسلحين، فرق تصفيات تقتل انتقاما. تنتقم من ماضي الناس مثل قتلهم ضباط سلاح الجو العراقي، بدعوى انهم قاتلوا في حرب ايران قبل عشرين سنة، وقتل الحزبيين البعثيين بدعوى انتمائهم لحزب عدو، وقتل اعضاء سنة في لجنة صياغة الدستور لأنهم يختلفون معهم في المواقف السياسية، رغم ان المقتولين هنا قبلوا بالعملية السياسية لا العنف والمعارضة غير الشرعية، وأخيرا قتل المحامي سعدون الجنابي، لانه ترافع عن الرئيس المخلوع صدام حسين.

هذه سلسلة خطيرة من الجرائم التي ارتكبت امام العالم، ولم يقدم حتى الآن احد للعدالة بتهمة ارتكاب اي منها. وإذا كنا نقف موقفا مبكرا ضد الارهابيين الذين يستهدفون المواطنين لأنهم شيعة، او يقتلونهم بسبب انتمائهم للنظام الجديد، او لأنهم شرطة او حتى عسكر في الجيش العراقي، شجبناها لأنها جرائم ارهابية لا تبرر المعارضة التي لها كل الحق اليوم ان تعمل سياسيا على الأرض، وبصورة مدنية حضارية، الا ان الجرائم التي ترتكب من الطرف المحسوب على الحكومة مقلقة لتكررها، واستهدافها المنظم للضحايا، وبلغت مرحلة يبدو انها خارج سيطرة اصحابها والمدبرين لها، كما تمثل ذلك في اغتيال المحامي في هيئة الدفاع. هذا الاغتيال من المؤكد انه سيؤدي، ان لم تثبت الحكومة سيطرتها على الوضع، الى نقل المحاكمة الى الخارج، كما جرى مع محاكمات مجرمي الصرب الذين يحاكمون وفق اشراف دولي، اختار قاضيا دوليا يساعده اثنان من الصرب واثنان من الالبان. اننا مقتنعون بأن صدام مجرم يستحق الشنق، لكن حتى المجرمون يدانون في محكمة شرعية لا عبر مقالات الصحف، وصدام يستحق ان يحكم عليه في محكمة نزيهة امام العالم، الذي يتابع باهتمام استثنائي هذه المناسبة.

وبالتالي فاغتيال محامي الدفاع او تخويفهم لا يخدم المحاكمة، ويعزز موقف المشككين في كل الاجراءات والأهداف، وسيضطر الجميع الى القبول بمنطقهم القائل انه لا يمكن ان تجري محاكمة عادلة تحت ادارة حكم معاد للمتهم، ويطالبون بأن يعامل صدام ورفاقه مثل النازيين الذين حوكموا في نورمبرغ، او مجرمي الصرب الذين يحاكمون اليوم في لاهاي.

الحكومة هي الطرف المسؤول عن تمثيل كل الناس، حتى الذين تختلف معهم. والحكومة هي المسؤولة عن الأمن، وهي ليس بالضرورة مسؤولة عن منع الجرائم، لأن ذلك مطلب تعجيزي، بل واجبها ان تثبت للعالم انها تقوم بمحاولة حماية مواطنيها وتقديم الادلة على ما تفعله ضد حملة التصفيات، من اعتقالات واتهامات وادانات لاحقا، كما تفعل بهمة ونجاح ضد الارهابيين الزرقاويين والبعثيين المسلحين. جرائم اغتيال اعضاء لجنة صياغة الدستور والآن المحامي عن صدام يضعف موقف الحكومة السياسي والشرعي خارج العراق أيضا، خاصة في ظل ما يروج من اشاعات عن طبيعة منفذي الجرائم، وصلتهم بميليشيات الاحزاب الموالية للحكومة.