إسرائيل والحلول المنفردة: قصة السير نحو التمييز العنصري

TT

لا تزال إسرائيل من الدول غير المتقدمة في موقفها من الحيوانات، لكن في الأسبوع الماضي ردت محكمة الناصرة استئنافا لشخص أدين بالتنكيل بقط بعد أن وضعه في كيس مغلق من النايلون، واستأنف الرجل إدانته، لكن المحكمة قضت بأنه «أضر بحيوان معدم الوسيلة لا يمكنه أن يدافع عن نفسه ولا يمكنه أن يرد اعتباره في إهانته أو ألمه».

وقبل ثلاثة أسابيع، قررت الحكومة عدم تأييد مشروع قانون يسمح باستمرار الإطعام الإجباري للأوز، فالإطعام الإجباري يلحق معاناة شديدة، ويؤدي إلى الزيادة المصطنعة لكبد الأوز، وكل ذلك من أجل توفير كبد الأوز الفاخر.

وقبل قرار الحكومة، قضت محكمة العدل العليا، في أعقاب التماسات منظمات للرفق بالحيوان، بأن إطعام الأوز الإجباري يتناقض وقانون الرفق بالحيوان.

لقد وردت هذه المعلومات «السوبر إنسانية» أو «السوبر حيوانية» في الافتتاحية الرسمية لصحيفة «هآرتس»، وبقلم أسرة التحرير، يوم 17/10/2005.

وفي اليوم نفسه، أوردت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، نقلا عن مصدر عسكري كبير قوله «سيتعين علينا أن نتخذ خطوة من شأنها أن تؤدي إلى الكثير من المعاناة «للسكان» الفلسطينيين.. إن «السكان المحليين» سيدفعون ثمنا باهظا.. ستحظر حركة السيارات الفلسطينية الخاصة على طرق عديدة.. سيفرض طوق على مدينة الخليل ومدينة بيت لحم وسيحظر الخروج منهما.. سيشرع الجيش والمخابرات في موجة اعتقالات أخرى لنشطاء الإرهاب في الضفة الغربية، بعد أن اعتقل في الشهر الأخير 700 ناشط، والهدف لن يكون فقط «الجهاد» و«حماس»، بل و«كتائب شهداء الأقصى» التابعة لـ «فتح» أيضا.

يبرز هذا الحرص الإسرائيلي على ضرورة حماية الحيوانات، كذلك الحرص الإسرائيلي الموازي على التنكيل بالفلسطينيين، انفصاما في شخصية المسؤولين الإسرائيليين، جدير بأن يعالج في مصحات الأمراض النفسية، وهو يذكر بالأفلام الأميركية التي تنتقد النازية وتركز على انفصام الشخصية لدى الضابط الألماني الذي يداعب قطته بحنان، ثم يخرج ليأمر بقتل الناس. أو ذلك الضابط الذي يصدر أمر القتل، ثم يجلس ليداعب مفاتيح البيانو مطلقا أنغاما جميلة. ولقد عرف عن الجنرال أيهود باراك، رئيس وزراء إسرائيل السابق، ولعه في إصلاح الساعات وفي العزف على البيانو مع استعداده للخروج إلى بيروت لتنفيذ عملية اغتيال. كما عرف عن موشي دايان، القائد العسكري الإسرائيلي الشهير، استعداده لإصدار أوامر القتل، ثم الذهاب بهدوء إلى المواقع الأثرية الفلسطينية للتمتع بجمع كل ما يعثر عليه فيها من آثار.

وسيقال ردا على هذا الكلام، بأن الموقف الإسرائيلي صدر بعد عملية فدائية قتل فيها ثلاثة شبان إسرائيليين (بعد مقتل 23 مواطنا فلسطينيا واعتقال 1200 شخص)، لولا أن الصحافة الإسرائيلية نفسها بادرت إلى الإعلان رسميا عن وجود خطة إسرائيلية للفصل الأحادي في الضفة الغربية تم وضعها قبل عدة أشهر. ذكرت ذلك صحيفة «معاريف» (يوم 19/10/2005)، قائلة إن القائد العسكري للضفة الغربية يئير نافيه، أصدر أوامره «بالشروع في تنفيذ خطة الفصل الشاملة»، التي أعدها الجيش الإسرائيلي منذ عدة أشهر، وهدف هذه الخطة:

« إيجاد طرق معدة لاستخدام الإسرائيليين، وتخصيص طرق أخرى لاستخدام الفلسطينيين.

« التوجه نحو «قطيعة اقتصادية كاملة بين الفلسطينيين وإسرائيل، بمساعدة المجتمع الدولي، في حلول عام 2008».

ويكشف هذا الواقع الجديد، أن الأمر مبيت إسرائيليا وليس مجرد رد فعل على عملية فدائية جاءت بعد أسابيع من العنف الإسرائيلي المتواصل قتلا واعتقالا. وقد وصف صائب عريقات، مسؤول التفاوض الفلسطيني، هذه الخطة بأنها «أكثر عنصرية من نظام الأبارتهايد في جنوب افريقيا»، حيث سيعاني الفلسطينيون من عزل مزدوج، العزل الأول من خلال الجدار الفاصل الذي تم إنشاؤه، والعزل الثاني من خلال شبكة طرق محرمة عليهم سيتم إنشاؤها الآن.

وهذا الاتهام بالعنصرية ليس فرية ضد المسؤولين الإسرائيليين، ذلك أن المسؤولين الإسرائيليين يستخدمون في أحاديثهم تعابير مشابهة لتلك التي كان يرددها العنصريون في جنوب افريقيا، حين يتحدثون عن المواطنين أصحاب البلد، فهم يصفونهم تارة بأنهم «السكان»، وكأن هؤلاء السكان كم مجهول، أو يصفونهم تارة أخرى بأنهم «السكان المحليون»، تماما كما فعل الضابط الإسرائيلي الكبير الذي نقلت أقواله صحيفة «يديعوت أحرونوت». والهدف الكأمن وراء هذه التسميات، الإشارة إلى أصحاب الأرض على أنهم مجموعة من الناس فقط، ليسوا شعبا، ولا علاقة لهم بالأرض التي سيستولي عليها المستعمر الأبيض، ثم ينقلهم منها إلى المعازل والكانتونات.

أما الترجمة السياسية لهذه العقلية، فقد لخصها نبيل شعث، نائب رئيس الوزراء الفلسطيني، بقوله: إن إسرائيل لا تريد اللقاء معنا، ولا تريدنا شركاء في العملية السياسية، إنما تريد مواصلة الأعمال أحادية الجانب لتعزيز احتلالها للضفة الغربية.

في ظل هذه الأجواء، تمت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن، وتم لقاؤه مع الرئيس جورج بوش، حيث السياسة الأميركية واضحة وصريحة في دعم سياسة إسرائيل، وفي الضغط على الفلسطينيين ليستجيبوا لها، مع حفنة من البهارات التي تتحدث عن الإصرار على رؤية بوش لدولتين فلسطينية وإسرائيلية. إن الولايات المتحدة تعلن منذ أكثر من عام أنها تضغط على إسرائيل من أجل تغيير أسلوبها في التعامل مع محمود عباس، ولو أن هذا الضغط قائم فعلا، وبشكل جدي، لكان قد تحقق في حينه، أما وأنه مستمر ومتواصل، فإن معناه الحقيقي أن واشنطن لا تضغط على إسرائيل، أو هي «تتمنى» عليها لو أنها تفعل شيئا آخر.

لقد كان الحدث الجديد الوحيد في هذه الصورة القاتمة، مبادرة الرئيس الروسي بوتين إلى مخاطبة الرئيسين الفلسطيني والإسرائيلي، لكي يبذلا كل جهد ممكن لتحريك العملية السياسية. إن جوهر الموقف السوفياتي ليس خطة خريطة الطريق، وليس تحريك اللجان المختصة في اللجنة الرباعية الراعية لخطة الطريق، بل الدعوة الصريحة لعقد مؤتمر دولي يبحث في قضيتي فلسطين والعراق، وهو موقف مرفوض كليا من واشنطن ومن إسرائيل، لكنه مؤشر دولي واضح على قناعة الدول الكبرى بفشل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وأن هذه السياسة أصبحت تحتاج إلى إعادة نظر بمنطلقاتها وبجدواها.

إن من يتابع مواقف الرئيس الأميركي جورج بوش، يستنتج بسرعة أنه يعيش في عالم بعيد كل البعد عن فكرة المؤتمر الدولي لبحث أي موضوع كان، فهو لا يزال يتابع سياسة الانفراد الأميركي بالقرار الدولي، ويواجه مأزقه في العراق بتصعيد الضغط على سوريا، وبمواصلة تهديد ايران، بينما تشهد شعبيته داخل الولايات المتحدة تراجعا ملحوظا وصل في استطلاعات الرأي الأخيرة إلى 39%.

وفي آخر موقف أميركي دعوة إلى إسرائيل ولبنان وفلسطين، لكي يعرضوا أمام مجلس الأمن وقائع التدخل السوري في شؤونهم. إنها محاولة لجر كل من لبنان وفلسطين إلى أن يصبحا طرفا أساسيا في الضغط الأميركي على سوريا، وهي محاولة تنم عن جهل مطبق بوقائع التداخلات السياسية العربية التي تمنع موقفا من هذا النوع، لكنها عقلية إدارة بوش التي شنت الحرب على العراق استنادا إلى أكاذيب محبوكة، اعتذر عنها علنا وزير الخارجية الأسبق، كولن باول، بعد أن حاضر دفاعا عنها في مجلس الأمن. ولا تزال هذه العقلية تعتقد بإمكان مواصلة الضغط على سوريا استنادا إلى أكاذيب جديدة.

.. وإلى أن تستفيق الإدارة الأميركية على ورطتها في العراق، ستعاني المنطقة العربية من الأذى المتواصل، ولن يجد الرئيس محمود عباس متكأ أميركيا يستند إليه.