محاكمة صدام... صور من زمن آخر!

TT

بدت الحيرة عميقة في وجه السيدة التي شخصت عيناها فجأة نحو الشاشة التي كانت تبث مشاهد بهت لونها لجمهرة من العراقيين رجالاً ونساء وأطفالا يركضون في شوارع ترابية فقيرة ويلوحون بعزيمة اليائس للرئيس العراقي (في زمن تلك اللقطات) صدام حسين والذي بدا في ذروة لحظات سطوته وجبروته وهو يلوح من عليائه نحو الجموع..

لم تكن السيدة قد تابعت البث الإخباري منذ بداية النهار ففاتها إعلان قناة «العربية»، التي تفردت بتلك الصور، أن تلك مشاهد نادرة لزيارة الرئيس العراقي المخلوع لقرية الدجيل في العام 1982 والتي تعرض فيها صدام حسين لمحاولة اغتيال وما لبثت القرية أن دفعت ثمناً غالياً جراء تلك المحاولة.

ازدحمت المشاهد على الشاشات الأربعاء الماضي، القديم منها والمستجد.. إنه يوم تاريخي ويحتاج إلى صور تاريخية تواكب حدثاً نادراً تمثل بأول محاكمة لرئيس عربي هو صدام حسين.

جندت القنوات الإخبارية طواقمها وخصصت ساعات من البث المباشر لمواكبة الحدث. جرت استعادة بعض من صور الماضي العراقي الصدامي وبثت مباشرة قبيل مشاهد المحاكمة. أرفق ذلك بصور متظاهرين متعاطفين مع صدام في تكريت، ومتظاهرين مطالبين بإعدامه في الدجيل..

لاحقاً ظهرت مشاهد مثول صدام أمام القضاة بهيئة مناقضة لما ظهر عليه في صور الدجيل أو صور اللحظات الأخيرة التي سبقت سقوط نظامه.. على مدى ساعات ذلك اليوم الاستثنائي كادت أن تصبح الشاشات قناة واحدة باستثناء تمايزات خاصة.. بدت المشاهد المبثوثة سياقاً بصرياً مكثفاً اختلطت فيه الأزمنة. إنها ليست المرة الأولى التي يصيبنا ذلك الشعور، فالصورة التلفزيونية تكاد لا تتوقف عن إدهاشنا جراء القدرة التي تملكها وتعجز عنها أي وسيلة اتصال أخرى في ردنا إلى أزمنة قديمة. صدام حسين نفسه رأيناه في نفس اللحظة في زمنين..إنها ليست أزمنة فقط بل أحداث حقيقية فعلية..

كدنا نسترسل في دهشتنا وفي محاولة تبيان غموض العلاقة مع الزمن لولا التعطل المتكرر لبث صور المحاكمة التي بدت باهتة لا لون ولا ضوء فيها فيما كان الصوت ضعيفاً بالكاد تمكنا من فهمه.

الاجراءات الأمنية التي واكبت تغطية المحاكمة كانت مبالغة إلى حد أثر ربما على نوعية الصورة والصوت المنقولين، فتعذر الاستماع بشكل واضح لما يدور في تلك القاعة...

بدا ذلك التعثر في البث واقعياً أيضاً وهو فتح الباب أمام تساؤلات لم تلق جواباً..

لماذا كان بث محاكمة على هذا القدر من الأهمية والالتباس على هذا القدر من الضعف والهشاشة..!!

هل يريد من نظم فعاليات المحاكمة ومنها نقلها المباشر أن تبقى صور صدام في الدجيل أكثر قوة من صوره في المحاكمة!!

وإذا استرسلنا في نظرية المؤامرة فهل تعمد التشويش على صور المحاكمة إلى عدم منح صدام منبراً للكلام وهذا يناقض مبدأ المحاكمة العادلة!!..

أما إذا كان ما جرى من تشويش في الصوت هو عثرات تقنية بحتة فذلك أمر لم نعد نتسامح معه في عصر الصورة..

diana@ asharqalawsat.com