حال الدستور

TT

منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري صدرت عشرات الدعوات السياسية تطالب باستقالة الرئيس اميل لحود باعتباره المسؤول المعنوي عن الجهاز الأمني المشبوه بتدبير الاغتيال. وقد اتخذت هذه الدعوات شكل بيانات من زعماء سياسيين، او تظاهرات عارمة كما حدث في 14 آذار (مارس) او حملات في الصحف الكبرى. وكان الرئيس لحود ولا يزال يردّ ببيان مقتضب او مسهب خلاصته أنه باق حتى اللحظة الأخيرة من ولايته.

وكان التمديد نصف ولاية له، قد جرى في ظروف اشعرت اللبنانيين بشيء من المهانة المعلنة. ولم يكن ذلك ضرورياً لأحد، خصوصاً للرجل نفسه. فالتجربة الأولى، باعترافه العلني، لم تكن مثمرة. وخلافاته مع الرئيس الحريري كلفت البلد 6 سنوات من الهباء والمليارات. ورفض الانفتاح على المعارضة، وجعل نفسه طرفاً لا حكماً. وترك للعسكريين المحيطين به ان يعرقلوا العمل السياسي ويشرعوا في الغائه.

وانزلق البلد معه الى حال من التوتر والشقاق والفرقة. ومنذ لحظة التمديد لم يعرف لبنان يوماً واحداً من الطمأنينة. فقد تسبب التمديد في صدور القرار 1559، وهو مسألة تقسّم البلد. وبعد ذلك عرف لبنان سلسلة من الأحداث الكارثية التاريخية السوداء: من اغتيال الرئيس الحريري الى محاولة اغتيال مي شدياق مروراً بمحاولة اغتيال مروان حمادة وقتل سمير قصير وجورج حاوي، وخصوصاً محاولة اغتيال الوزير الياس المرّ، صهر الرئيس لحود.

كان رئيس الجمهورية يردّ على ذلك كله، ببيانات مسهبة او مقتضبة، تقول إنه باق حتى اللحظة الاخيرة لممارسة مسؤولياته الدستورية. ودخل القصر الجمهوري في عزلة لا سابقة لها. فعلى الصعيد العربي لا اتصال من احد، وعلى الصعيد الدولي يأتي رؤساء الدول الى بيروت ولا يلقون التحية، من جاك شيراك الى برويز مشرف. وعلى الصعيد المحلي لم يعد احد يذهب الى القصر سوى بعض رموز النظام الأمني.

ألقيت الشبهة على رئيس الحرس الجمهوري في اغتيال الحريري، فدافع الرئيس لحود عنه. واوقف رئيس الحرس فوضع مطالعة في الدفاع عن اخلاصه. واوقف المحقق الدولي جميع رموز النظام، فأصدر القصر الجمهوري بياناً مسهباً بأن الرئيس باق لحماية الدستور ومتابعة المسؤوليات. وبعد صدور تقرير ميليس ورد اسم الرئيس على انه تلقى مكالمة من احد المتهمين قبيل الجريمة، ورد القصر ببيان يقول ان الرقم عائد الى الرئيس لكن الاتصال لم يكن به شخصياً.

غداة التمديد كتبت اننا لن نرى بعد الآن يوماً مثل باقي خلق الله. واننا هنا تعني الرئيس لحود ونحن، بسطاء القوم في هذا البلد السريع العطب، والمفتون بالحرية والجمال. ولم اكن اضرب بالرمل، بل كنت اقرأ مشاعر الناس وأمثولات تاريخ لبنان. لكن احداً منا لم يكن يتوقع ان تتالى الاحداث السوداء على هذا النحو وهذه الوتيرة، وان يكون ردّ الرئيس لحود الوحيد، مسهباً او مقتضباً، انه باق من اجل الدستور حتى اللحظة الأخيرة من قرار التمديد المخالف للدستور وإرادة الناس وتمني المجتمع الدولي.