لو كان عندنا ألف ألف زمار؟!

TT

نحن في حاجة إلى ألف زمار، إلى أوركسترا من الزمارين، ولكن من نوع آخر، لماذا؟ أحكي لك الحكاية، يقال انه في يونيو سنة 1184 جاء إلى مدينة هاملن الألمانية رجل يقول انه قادر على إخراج الفئران من البيوت في زمن الطاعون الأسود. أعلنت المدينة أنه يستحق المكافأة الكبيرة، إذا هو نجح في ذلك، وراح الزمار ينفخ والفئران تمشي وراءه حتى نزل بها في نهر فيزر فماتت، ورفضت المدينة أن تعطيه المكافأة، فغاب الزمار شهوراً، وانتهز فرصة الصلاة في الكنيسة وراح ينفخ في مزماره فسار وراءه 130 طفلاً، دخل بهم أحد كهوف الجبل باستثناء طفلين أحدهما أعمى والثاني أعرج.

وهناك حكايات كثيرة عن ذلك، أو كانت السبب في هذه القصة الشعبية، منها أن رجلاً جمع الأطفال وعمل منهم جيشاً ليحاربوا في القدس، فساروا وراءه ولم يعودوا، أما الأطفال فكانوا يرقصون، وقد عرفنا في ما بعد أن الرقص سببه انهم أصيبوا بمرض هنتنجتون وهو الرقص اللاإرادي، شاعرنا القديم قال: كالطير يرقص مذبوحاً من الألم!

ودخلت هذه الأسطورة كل الفنون الشعبية في ألمانيا، فالأخوان جريم قد جعلا منها قصة بديعة، أما الشاعر الانجليزي روبرت بروسنج فنظمها قصيدة رائعة.

وفي تفسير هذه القصة قيل إنها رغبة لا شعورية عند الشعوب في البحث عن خلاص من أمراضها وأحزانها، وظهور الزمار في حياة الفئران موجود في كل الشعوب أيضاً، فعندنا في مصر يوجد رجل نسميه (الرفاعي) يزمِّر فتخرج الأفاعي من الشقوق واحدة وراء أخرى كأنها مخمورة أو كأنها منومة مغناطيسياً.

والهموم التي في دنيانا في حاجة إلى معجزة، تنقذنا من الدمار المادي والمعنوي، نحن في حاجة إلى ألف زمار، مليون ينفخ وتخرج وراءه الأمراض، وأولها الفقر والشك والحقد، أو يخرج وراءه المفسدون في الأرض وفي الناس ويذهب بهم الزمار إلى أي بحر أو كهف أو جهنم، لو كانت كل المصائب تتحول إلى فئران أو إلى أفاعٍ في انتظار (زمار هاملن)، ان هذا الطرب والرقص الموجود في كل وسائل الاعلام، ليسا استخفافاً بكوارث البشر ولا امتهاناً لجرائمهم، وانما هي صورة أخرى من مرض هنتنجتون أو مرض (خوريا) ـ والكلمة يونانية معناها الرقص، وهو رقص مرضي.

وعندنا في مصر حكاية أخرى تقول ان زماراً أعمى سمع اناساً يتكلمون فوقف يزمِّر، يتسول، فقالوا له: هنا مسجد، ابعد! فسكت وهو يقول: لله يا زمري!

فهل الزمارون كلهم عميان وضحكنا عليهم وقلنا لهم: ان هذه مساجد، فمشوا دون أن يستخرجوا كل شرور البشر؟!