الحقيقة العارية

TT

في مسرحية الرحابنة اللبنانية «هالة والملك»، تعتزم البلدة إقامة احتفالها التنكري السنوي، حيث يلبس فيه كل فرد قناعا يختاره. وعادة ما يختار الناس قناعا مخالفا لطبيعاتهم، التي اشتهروا بها بين الناس، فحارس الخزنة يلبس قناع فأر والمختار الحكيم يختار قناع حمار.

فيقرر الملك إلغاء الحفل التنكري، لأن الوزير أخبر الملك العازب بأن طالعه الفلكي، يشير إلى أن أميرة غريبة ستزور البلدة في أيام الاحتفالات، وسيقع الملك في حبها ويتزوجها. ولو حضرت والجميع يضع أقنعته، فلن يتمكن أحد من التعرف إليها وزفها إلى الملك، الذي يتشوق شعبه لرؤيته عريسا وينجب له أبناء.

فيروز أو «هالة» البنت الفقيرة بائعة الأقنعة التنكرية، تفد إلى البلدة حاملة معها بضاعتها، متوقعة أن تدخل إلى القرية في حمى احتفالاتها التنكرية، لكنها تفاجأ حين تدخل، بوجوه عارية من الأقنعة، فتشهق وهي تغني:

«وجوهكن العارية خوفتني».

هذه الشهقة المرتاعة من بشاعة عري الوجوه، هي ذاتها عنوان حالنا اليوم، حين قذفت الصحف في اليوم التالي بعناوينها الصباحية الحقائق العارية في وجوهنا، التي لخصها تقرير قاضي الأمم المتحدة «ديتليف ميليس» بتوريط الاستخبارات السورية واللبنانية في قضية اغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري. رجال الأمن في أعلى سلطة أمنية هم المتورطون في عميلة قتل رئيس وزراء بلادهم.

المسؤولون عن الأمن، هم من يشيع عدم الأمن، هذه الحقائق العارية بشعة إلى الحد الذي يجد المواطن العربي نفسه في حال غير محسود عليها، بل ومصابا في قلبه برصاصة رداءة مجتمعه العربي الذي لا يشفى ولا يفتش عن طريقة لشفائه غير تخوين أصحاب التقرير، وتهم المؤامرات عليه والصياح في وجهه «شاطرين علينا بس، روحوا أدبوا شارون»، أي اتركونا نفعل ما يحلو لنا بحجة أن هناك مجرمين غيرنا خارج السجن!

يكتشف العربي في عصر العولمة، أنه قادر على رؤية الحقائق في حياته، وليس كما اعتاد آباؤه وأجداده الذين يكتشفون حقائق زمانهم بعد ثلاثين عاما ويزيد، وبعد أن يذهب الناس المهتمون بها، أو بعد أن يصادفوا حقائق أكثر بشاعة، فتهون عليهم بشاعة ما مضى. هذه الحقائق التي لا يحول عليها الحول إلا وقد بان وجهها، تبدو ثقيلة الحمل على قلب عربي يحلم بغد أفضل في حياته.

الصحافة العربية في أسبوع واحد، وفي محاكمة صدام تنزع عنه قناع البطولة والحاكم المؤمن، بسرد جرائمه التي يقشعر لها البدن، وتخلع عن رموز الأمن السوري واللبناني أقنعتها، فتبين وجوه المجرمين خلفها. ومن حضر أو استمع لملفات الدفاع، التي سكب دموعها محامو الدفاع عن قضية لوكربي الليبية منذ سنوات، سيعرف كم من الكذب أريق على بلاط الحقيقة، بعد أن اكتشف المتفرج أن عناصر المخابرات الليبية، هي من كان وراء الحادث.

وفي زمن يفجر فيه رؤساء الحكومات في وضح النهار، ويحاكم آخرون في أقفاص سجن حقيقي، ويفضح فيه تورط مسؤولين في قضايا الفساد والرشوة في العراق، يضع المتفرج العربي يده على خده متسائلا: يا ترى بكره الدور على مين؟!

[email protected]