استفتاء شاغر

TT

تعبر كثير من الرسائل التي اتسلمها عن عجب واعجاب اصحابها بقدرتي على التعبير عن مشاعر العراقيين وهواجسهم رغم افتراقي عنهم لما يقرب من نصف قرن. يقولون انني اكتب وكأنني ما زلت في بغداد, سأفاجئهم اكثر من ذلك بما سأقوله الآن.

المطالبة بخروج القوات الاجنبية الآن ستكون كارثة مشابهة لمطالبتهم بالاستقلال في العشرينات. تبنت الطبقة المتوسطة شعار الاستقلال لان الانجليز حرموهم من السرقة والرشوات والمناصب. كان عهد الانتداب العصر الوحيد الذي خلت فيه البلاد من الفساد والرشوات والاختلاسات وانعدام الأمن. ورأينا ما فعلته الطبقة المتوسطة بالبلاد منذ ان حلت محل الانتداب. كانت غلطة وتلتها غلطة انقلاب 1958. والآن البلاد على ابواب غلطة جديدة اخطر من كل ما مضى اذا ساروا بهذا الدستور.

اشعر بمزيد الثقة لو ان الامم المتحدة استفتت العراقيين الآن في استفتاء محايد لا يسمح بتدخل الدين والديماجوجية القومية، هل تفضلون ان يحكمكم مثل هذا النظام وبمثل هذا الدستور ام تفضلون تسليم بلدكم لادارة اوروبية، انجليز او المان او سويس مثلا لاختار اكثرهم حكومة اوروبية تتولى امرهم، وهو ما هم في امس الحاجة اليه الآن.

وبالنظر للتعددية اللغوية التي ينص عليها الدستور فسيكون من الصعب للمواطنين التفاهم مع بعضهم البعض. وتظهر الحاجة عندئذ للغة مشتركة يتفاهمون بها. وهذا موضوع آخر يتطلب الاستفتاء ايضا. هل يفضل العراقيون تعلم لغة الاسبرانتو ام لغة الماوماو كلغة مشتركة لهم؟ ولكن هناك خيارا ثالثا، وهو كما يبدو لي انه كان في ذهن كاتب هذا الدستور. اقصد بهذا الخيار الثالث اللغة الفارسية. وهو ما سيجري طرحه بالفعل بعد حين من الزمن. فالعراق الآن يؤمن بالمرحلية والتدرج ولكنها مرحلية تختلف عن الاتجاهات المرحلية التي اخذت بها بعض الدول كتونس وعمان في انها مرحلية تتميز بالتدرج الى الوراء.

هناك استفتاء آخر حرم الشعب العراقي من ممارسته. وهو هل يفضل العراقيون ان يكون العراق عضوا في الجامعة العربية ام عضوا في الكومنويلث البريطاني.

الجامعة مسؤولة عن شتى النكبات التي تحملتها الشعوب العربية وكللتها بجهودها وامتناعها عن لعب دورها في ارغام صدام حسين على الانسحاب من الكويت ثم في اقناعه او ارغامه على التخلي عن الحكم بالحسنى.

استفتاء آخر حرم الشعب العراقي من ممارسته. وهو هل يفضل العمل بموجب الدستور الجديد ام بموجب نظام اتحاد كرة القدم العالمي.