لو ناديت حيا

TT

عندما وصلني التقرير الخاص بقصة المعلم محمد سلامة الحربي ظننت أن ما وقع بين يدي سر من أسرار الأمن الوطني العصية على الكشف، فوجدت أن أول واجب وطني عليَّ، وقبل أي شيء، هو إرسال نسخة منه إلى وزير التربية والتعليم قبل الكتابة عنه في عمودي، وقد فعلت. بعدها شاهدت مقالات زملائي وزميلاتي وهم يتعرضون لما جرى للمعلم الحربي فعرفت أنهم كفوني واجب الكتابة عن قضية المعلم هذه.

والقصة باختصار هي قصة معلم، يشهد إمام مسجده بصلاحه وأنه من جماعة المسجد، يصلي وذو خلق قويم، وجد نفسه يوما وهو في مدرسته تلاحقه تهديدات تليفونية تعرض حياته للقتل، ثم رصاص يكسر زجاج غرفته في المدرسة، ثم خطاب يجرم فعلته، ثم شكاوى تقض مضجعه وتسحبه لمحكمة ليست في منطقته، وقاض يدينه في دينه وأخلاقه، ثم إدارة تعليم توقفه عن التدريس، ثم يسجن، والسبب أنه قال عن منفذي عملية تفجير مجمع الحمراء «إنهم مجرمون إرهابيون» ومقولات في هذا السياق تحارب الإرهاب وتجرمه.

في المقابل فإن المعلمين الذين وقفوا أمام الطلبة وقالوا إن من يجرِّم الذين قاموا بتفجير مجمع الحمراء هو «مجرم»، والذين مزقوا مقالا يدعو لمحاربة الإرهاب وأفكار الإرهاب، والذين يأخذون الطلبة لاستراحات خاصة في رحلات مدرسية غير نظامية، والذين يروجون أفكار الإرهاب، ومن كسر بالرصاص نافذة فصل دراسي، ومن جر معلما لمحاكمته في محكمة، وليس رفع قضيته لمرجعه الوظيفي المتمثل في وزارة التربية والتعليم لتفصل في الأمر، هؤلاء هم الطلقاء! والمدرس الحربي هو المتهم والسجين.

لم نسمع من وزارة التربية والتعليم أي شيء.

هذه القصة لم تعد سرا، بعدما تلا المتهم قصته على صفحة كاملة في جريدة الرياض الأربعاء الماضي، وبعد أن أرسلت للوزير صورة من التقرير، وبعد أن قام بعض الكتاب والكاتبات بعرض القصة في مقالاتهم، طرحوا من خلالها أسئلتهم الحائرة واللائمة.

إلا أننا بعد كل هذا لم نجد غير عنوان صحافي من وزارة التربية والتعليم يقول: آسف سنعاقب المعلم الذي ضرب طالبا بسلك من حديد في حادثة حدثت منذ سنة لم يكشفها غير رقيب تكنولوجي أسمه البلوتوث. صار هو من يقدم الفضائح على طاولة المحاكمات، أما الأفكار الضالة التي لم تعد تعمل في السر، والضمائر التي لم تألو جهدا لكشف الحقيقة ورصها أمام الناظرين فبقيت حتى كتابة هذا المقال تقلب وجهها في السماء وتغني بيت الشعر الذي آخره عنوان هذه المقالة!

[email protected]