المهمشون!

TT

يتفق الجميع في اليابان أن موقع المعلم يأتي بعد الإمبراطور مباشرة، وهذا سر تفوق اليابان العلمي، فهم يعرفون أن العلم الذي يكفل لبلدهم التقدم والتميز لا يأتي إلا عبر المعلم، وأن هذا المعلم لا يرجى منه نفعا إن لم يكرم، فكرموه بوضعه في الدرجة الثانية بعد الإمبراطور بحيث يسبق بذلك وزراء ونوابا وعسكريين وسياسيين ودبلوماسيين وغيرهم. ونحن في السعودية لا تزال وزارة التربية والتعليم تخنع لضغط ملاك المدارس الأهلية في إقرار سلم هزيل للرواتب يبدأ من 2100 ريال للمعلم الذى يحمل شهادة جامعية غير تربوية، ثم 2400 ريال لحامل الشهادة الجامعية التربوية، ثم 3200 ريال لحامل شهادة الماجستير، وصولا إلى 4800 لحامل شهادة الدكتوراه!!

وتشير أحدث الأخبار المتصلة بسلم رواتب المعلمين والمعلمات في المدارس الأهلية أنه تم تشكيل لجنة مشتركة من وزارتي التربية والتعليم والعمل ومجلس الغرف السعودية لمراجعة الملاحظات الواردة من ملاك المدارس الأهلية على هذا السلم الهزيل، أي أن ثمة احتمالا لإجراء المزيد من التخفيضات على هذا السلم المدهش السقيم..

وبحسبة بسيطة، يمكن أن ندرك أنه لو قدر لملاك المدارس الأهلية أن يتعطفوا ويتكرموا ويتفضلوا بقبول هذا السلم «المخلوع»، فإن ذلك يعني أن قدر المعلم في المدارس الأهلية أن يعيش حياة الكفاف، وسيعجز عن تكوين أسرة أو بناء مستقبل أو حتى أن يعيش حياة مستقرة كغيره من الناس، وسيظل ترتيبه في قاع السلم المادي الاجتماعي بعد شرائح كثيرة من المهنيين الأميين وأرباع وأنصاف المتعلمين، ولعل خطأه أنه تعلم وأكمل دراسته الجامعية، وطمح كغيره من عباد الله الطامحين.

وأنا أستغرب هذه المماحكة من ملاك المدراس الأهلية، وهذه السلبية من وزارة التربية والتعليم، خاصة وأن بعض هذه المدارس تحقق دخولا من الرسوم المرتفعة على الطلاب يفترض أن تكفل إنصاف المعلم وتقديره ماديا بما يستحق أسوة بزملائه في المدارس الحكومية الذين يقومون بنفس الدور والجهد والمسؤوليات ويتميزون عنه برواتب معقولة مقارنة بالفتات الذي يحصل عليه المعلم والمعلمة في المدارس الأهلية.

فيا أهل الرأي والكياسة، إن كنا حقا نريد من التعليم أن يلعب دورا رئيسيا في تقدم حياتنا الآتية، فلا بد أن ينصف المعلم، وإذا كنا ننتظر من المعلم أن ينهض بأحوال أبنائنا فكريا ونفسيا وجسميا وانفعاليا واجتماعيا وينسى نفسه، فتلك قسمة ضيزى.. فانصفوا حاضر المعلمين ينصفون مستقبلكم، وأكرموهم يكرمون أبناءكم، فليس أخطر من معلم ينتابه الشعور المرير بأنه قد انطبق عليه قول الشاعر:

عبروا عليه وجاوزوه كأنما

خلق المعلم للتسلق سلما

[email protected]