اجتماع اليوم واغتيال الحريري: ماذا يقول القانون..؟!

TT

يجتمع اليوم، وفق ما هو مقرر، أعضاء مجلس الأمن على مستوى وزراء الخارجية، للتباحث في مشروع قرار أعدته أميركا بالتحالف مع فرنسا وبريطانيا بعد تقرير ميليس المبدئي، وعليه، سأتجاوز الحديث «عمّن فعل» إلى التكييف القانوني للحدث نفسه، فالمعطيات المطروحة أجمعت أمرها على أن مجموعة من الأفراد ذات الصلة بمؤسسات دولتي لبنان وسوريا اضطلعت باغتيال رجل السياسة رفيق الحريري، وسواء كان التورط مباشراً أو غير مباشر في ارتكاب الجريمة، فقد اعتبر زلزالاً بشرياً هدد معه معاني الأمن والسلم فاستحق الانضمام وبجدارة لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويقول بأنه في حالة الإقرار بوقوع تهديد للسلم أو إخلال به، أو كان ما وقع من أعمال العدوان، فإنه يحق لمجلس الأمن اتخاذ ما يجب من التدابير(المادة 41) لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما، هذه الإجراءات يمكن أن تشمل وقفاً جزئياً أو تاماً للعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، فإن لم تكف يخول للمجلس جواً وبحراً وبراً (المادة 42) القيام بما يلزم.

وهو ما يقودنا إلى التنويه بإرهاب الدولة الذي يوجب هذا التحرك الدولي! إنه ما يطال الأعمال الإرهابية لموظفي الدولة العموميين، أو مؤسساتها الرسمية (أجهزة المخابرات) أو قواتها المسلحة، ونفس الشيء ينطبق على مساندة الدولة لجماعات مسلحة لها أعمالها الإرهابية في دول أخرى، سواء بتزويدها بالأسلحة، أو التمويل، أو التدريب، أو الدعم الإعلامي والمواصلاتي، أو الغطاء الدبلوماسي، وحتى ان كان ارتباط الدولة بالعمل الإرهابي سلبياً كمجرد علمها بوجود قواعد «مشبوهة» على أرضها، دون سعيها لتصفيتها، أو منع نشاطها في أقاليم الدول الأخرى ـ وإن امتنعت عن المساعدة الصريحة لها ـ فهذا لا يعفيها في نظر القانون الدولي من كونها مشتركة فيما يعرف بـ «العنف السياسي»، هذا، مع العلم أن المجتمع الدولي لم يتوصل حتى الآن إلى تعريف مانع جامع للإرهاب السياسي لاختلاف تصور طبيعة العمل، إن كان من حيث أهدافه، أو القائمين به، ومع ذلك، فهناك شبه اتفاق عالمي حول صور الأعمال الإرهابية وفي مقدمتها الاغتيال السياسي، وتفجير العبوات الناسفة بشكل عشوائي، فإن ثبتت صلة الدولة بها فهي من قبيل العدوان المسلح غير المباشر، وإن كان الغرض منها ترويع شعب دولة أخرى، عدت أعمالاً إرهابية، والحقيقة أن موت الحريري قد جمع بين هذه وتلك، فالعدوان والإرهاب وجهان لعملة واحدة، كما هي العلاقة السببية بين «العدوان» و«الدفاع الشرعي»، فالثانية رد فعل للأولى، ولقد وقع لبنان وأهله في 14 فبراير الماضي ضحية لعدوان مؤكد، يبرر حقه للجوء الدولي لمعرفة حقيقة من يقف وراء اختراق أمنه الإقليمي والاقتصاص منه.

فإذا انتقلنا إلى الفصل السابع من الميثاق، وإلى العبارة المتعلقة بنظام الأمن الجماعي وقرأناها بتمعن: «... بوقوع أعمال لتهديد السلم والإخلال به، ووقوع العدوان»، لاكتشفنا أن إيراد «واو» العطف قد جاء للإفادة بأن صلاحية مجلس الأمن في تطبيق آلية «الأمن الجماعي» لا ترتبط بمفهوم «العدوان» وحده، وإن كان من ضمنها، وبما أن السلم الدولي غير قابل للتجزئة فإن تفويض مجلس الأمن لقواته المتحالفة بالقيام بمهمة تحقيق «الأمن الجماعي» إلى جانب ممارستها لـ «حق الدفاع الشرعي» (حرب الخليج الثانية) إنما يتسق وروح الميثاق، فإن كان البعض قد رأى في هذا التصرف ازدواجية وظيفية، ودمج قفز فوق الإطار المحدد له في نص المادة 51 من الميثاق، إلا أنه قد فسر في غير موضع بقدر من المرونة يسمح للمنظمة الدولية بأداء وظيفتها المنوطة بها، دون التقيد بحرفية النصوص القانونية التي تكبلها حرفياً بالمرجع الإجرائي، وهنا مربط الفرس، فقد تخطت الدول أحياناً حدود مبدأ «التناسب» في رد الفعل بحجة أن الدفاع الشرعي عن النفس لا يهدف فقط إلى دفع العدوان، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل العدوان، ولكنه يسعى أيضاً إلى «ردع» الدولة المعتدية، وتجريدها من وسائل تكرار العدوان في المستقبل، وهذا ما فعله مجلس الأمن في مسألة الكويت، بتبني تدابير «إضافية» في شكل عقوبات اقتصادية ضد العراق.

من المنظور التحليلي، وعند تقييم الملف الأممي نعترف بأن الآراء قد انقسمت حوله، فمن إشادة في مواجهة أزمة الكويت مع العراق بسرعة وفاعلية، إلى شك وانتقاد للمصلحة المتحكمة في تحويل المنظمة إلى مفتاح دبلوماسي احتياطي في يد الدول الكبرى، فعدم التمسك بالشرعية الدولية في حالات بعينها دائماً ما يلقي بظلال قاتمة على استقلالية الأمم المتحدة إزاء أعضائها، ونحن العرب أكثر من عانى من هذه الانتقائية، إلا أن استمرارنا في لعبة الفراغ السياسي قد أنقص من ثقلنا في الميزان العالمي ولا يزال.

وعودة لموضوعنا نقول بأن الحريري قد قتل، وما بين لبنان وسوريا، وكما جاء عن التقرير حتى الآن ـ يعيش قاتلوه، فماذا يكون الحل إذن؟ في مواصلة المظاهرات والاحتجاجات، وفعلنا ولم نفعل، أم في القرار التاريخي الذي ينقذ شعبا، ويقطع جسر المتصيدين..!

فحفظ الحقوق لم يعد يقتصر على المصدر الاتفاقي للمعاهدات، بل هو من القواعد الدولية لحماية العدالة المجتمعية والتي هي قواعد موضوعية تلتزم بها جميع الدول دونما استثناء، فمن هو المجرم الذي يستحق أن يزج شعب بأكمله من أجل إنقاذه، مبادئ السيادة التي لم تحرص الأنظمة المتهمة على العمل بها، لا تملك المصداقية لتستردها فجأة من عالم النسيان فتوظفّها، فالشعب أبقى وأهم، وسيادته تكون في صون كرامته من ذل المعاناة، وليس في استهلاك الشعارات والوقت، والكلام هنا على إطلاقه، فالأحداث المأساوية التي تعيشها بلدان كثيرة قد فرضت التخلي عن الجمود النظري في الفقه القانوني الدولي عند التعامل معها، ومن يعترض، يقول له ابن خلدون: الهرم إذا نزل بالدولة لا ترتفع.