اعمل، العب، اصمت

TT

كتب (س. ج. ولف) في مذكراته انه قابل (انشتاين) ويقول إنني سألته: ما هي أفضل وصفة للنجاح في الحياة، ففكر قليلاً ثم ابتسم وقال: إذا رمزنا للحياة بحرف (أ) فلعل خير وصفة تكون: أ = س + و + ز، على أن يمثل حرف (س) العمل، وحرف (و) اللهو، فقلت له: وماذا يمثل حرف (ز)، فقال: انه يمثل التزام الصمت.

وصح لسان عمنا (انشتاين)، فالذي يريد النجاح وهو خامد خامل نائم، لن يكتب له أبداً حتى لو كانت له الكفوف مطارح، صحيح أن هناك من يغتني، أو يتبوأ مركزاً مرموقاً بدون مجهود منه ولا مزيّة، ولكن هذا لا يعتبر نجاحاً، وإنما هو نوع من الهبة ـ أي العطية ـ.

أي نجاح لا ينبني على جهد العمل، هو نوع من لعبة القمار، وبعضهم يطلق عليه مسمّى (الحظ)، إلى درجة أن سذاجة بعض الشعوب قد قالت: (أديني حظ وارميني في البحر)، وماذا ينفع الحظ أن لم تكن تعرف السباحة، أو تستند إلى طوق تصارع به الأمواج، أو عزيمة تتحدى بها المخاطر؟!

الشعوب النائمة هي التي تسند رأسها على مخدة الحظ دائما وأبداً، ولا تعي مهالك الزمن، ولا حركة التاريخ، لأن الحظ (خبط عشواء)، بينما العمل له بداية ونهاية ومحصلة تنمو وتتحسن ويبنى عليها مستقبل منظور ومحسوب بالساعة والدقيقة، بل والجزء من الثانية.

كذلك اللهو في حياة الإنسان، واللهو الذي اقصده هو المتعة بممارسة الجمال بالفكر والعواطف والجسد، سواء كانت قراءة أو فناً أو لعباً، انه معانقة الحياة والذوبان فيها بدون عقد وتوترات، وما أتعس الحياة وأثقل دمها بدون تلك (العناقات).

ولست ادري كيف يعيش بعض الناس ممن (غم) على قلوبهم، وأصبحوا من جفاف ما هم فيه من حياة كالجراد الأصفر المبثوث في صحراء قاحلة، حيث لا زرع ولا ضرع ولا ماء ولا حتى (زقزقة عصافير).

أما الثالثة وهي الصمت، فأنا من تلاميذها الأوفياء، خصوصاً إذا قيض لي وان احصر في مقعد واحد بين (مهذارين)، ساعتها أتساءل عن الحكمة في وجود هاتين السماعتين التعيستين اللتين يطلق عليهما الأذنان (!!).

إن الصمت المطبق ـ أحياناً ـ نعمة كبرى لا يعرف قيمتها إلا من أرهف سمعه لنبض الحياة في داخله، ونبض الحياة كذلك في جوف أمنا الأرض الحبلى بكل البشائر وكذلك المصائب (للأسف).

إن الصمت ينبوع خالد لا ينضب، لو جربه بعض السفهاء ممن تدلدلت ألسنتهم كألسنة الكلاب، لأصبحوا حكماء زمانهم (بالسكوت على الأقل).

[email protected]