كلمة السر

TT

من منا لم يسمع بليوناردو دافنشي صاحب الموناليزا؟ ومن منا لم يتساءل عن ابتسامتها الغامضة وحالة الصفاء التي تنعكس من خلال اللوحة الصغيرة المعلقة على احد جدران متحف اللوفر؟ انه وجه يحمل اسرارا كثيرة لم يكشف عنها الزمن ولم تكشف عنها المعلومات التي جمعها الدارسون والباحثون عن دافنشي منذ عصر النهضة الى الان.

مؤخرا اصدر احد الباحثين واسمه تشارلز نيكولز سيرة جديدة لدافنشي في 600 صفحة بعنوان «شطحات الذهن», فيها ان دافنشي دأب على رسم اسكتشات ومن بينها اسكتش للقلب البشري والى جواره كتب دافنشى بخط يده: انك بحاجة الى عمر كامل لكي تفهم اسرار هذا العضو.

ما هي تلك الاسرار التي ازدحم بها قلب فنان عصر النهضة العظيم؟ وهل يختلف قلب فنان عظيم عن قلب اي شخص عاش في زمن دافنشي او يعيش بيننا اليوم؟ يبدو ان الاجابة على هذا السؤال هي بالنفي.

الحقيقة التي لا جدال فيها هي ان ليوناردو دافنشي فنان يتمتع بشهرة عالمية واسعة. ومع ذلك يؤكد كاتب السيرة الجديدة أن دافنشي كانت تنتابه لحظات يشعر فيها بالفشل. وهنا نجد سؤالا يطرح نفسه عن المبدعين بصفة عامة وعن مقاييس النجاح والفشل التي يطبقونها على انفسهم. هل يبدع المبدع حبا في ابداعاته ام يبدع طمعا في اعجاب الاخرين والشهرة وما تجلبه من احساس بالتفوق؟ وهل تكتسب اعماله بعدا اضافيا من القيمة في نظره اذا اشاد بها الاخرون؟ ابداعات دافنشي تزامنت مع ابداعات مايكل انجلو. ومن الثابت تاريخيا ان مايكل انجلو ايضا كان يعيش حالة قلق دائم بخصوص مكانته الفنية في مجتمع فلورنسة. وكذلك دافنشي الذي آثر ان يجرب مشروع الطائرة التي ابتكرها في تكتم شديد واسماها الطائر الكبير. آثر ان يجري التجربة سرا خوفا من ان يفشل المشروع ويعلم بفشله الآخرون.

الانسان مخلوق اجتماعي بطبيعته. ولو ان دافنشي وجد نفسه وحيدا في جزيرة مهجورة خالية من البشر فمن غير المحتمل ان يكون للموناليزا اليوم وجود. لو عاشت ام كلثوم في صحراء خالية من السميعة لم يكن ممكنا ان تطلق عقيرتها بالغناء الذي يطرب الملايين. دواوين الشعر والروايات العالمية والتحف المعمارية والاختراعات المذهلة ما كانت لترى النور لو لم يجد اصحابها انفسهم وسط مجموعات بشرية تتذوق الشعر وتقدر القص وتحترم المعمار وتتلقف الاختراعات وتوظفها في خدمة البشر.

وكما ان المطرب يعتمد على تصفيق السميعة لكي يبدع والقاص على القارئ لكي يشاركه فكره الوجداني, فان الشخص العادي يعتمد بدوره على تفاعله مع احبائه والمقربين لكي يشعر بأن دنياه بخير. الاحساس بالنجاح او نقيضه حالة نعتمد فيها على تقدير الآخرين.

الكلمة الطيبة في محلها اذن صدقة, فلا تبخل بها على جار او زميل ولا تبخل بها خصوصا على زوجة او ولد لانها قد تكون كلمة السر التي تشعر الاخر بالنجاح او الفشل, وهي ايضا الكلمة التي تفتح امامك خزائن القلب السعيد.