رئيس لا يلاعب مسدساته القديمة

TT

كان يروق لكلينتون أن يقول: «ذلك الكلب لا يريد الصيد»، ليبرر عدم الضغط على إسرائيل. يقول ريتشارد كلارك في كتابه «ضد الأعداء جميعاً» الذي يتناول تجربته كمنسّق لمناهضة الإرهاب، إن أمله قد خاب لوهلة في الأيام الأخيرة من إدارة كلينتون، حين صرف الرئيس اهتمامه عن الصراع ضد القاعدة إلى مفاوضات كامب ديفيد. غير أنه أدرك أنّ ذلك كان جزءاً من الحرب ذاتها. «إذا ما استطعنا تحقيق السلام في الشرق الأوسط، فإنّ كثيراً من الدعم الشعبي للقاعدة وكثيراً من الكراهية لأميركا سوف يزولان في الحال». فليس ممكناً أن تشنّ حرباً على القاعدة دون أن تعمل من أجل التوصّل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

كل استقصاءات الرأي في العالم العربي والإسلامي تدل على تدهور مكانة الولايات المتحدة وتعاظم كره العرب والمسلمين لها كدولة. ومكانة الرئيس الاميركي في بلده تتعرض أيضاً للتدهور كما تعكس استطلاعات الرأي الجديدة هناك. ويكشف الأداء الأميركي عموما الضعف السياسي الفاضح في التصدي لجذور الحالة العربية. فبرغم اكتمال العام على رحيل الرئيس عرفات، فان الولايات المتحدة وإسرائيل لا تزالان في عالمهما القديم، وهما تظنان أنه بالإمكان فرض إرادة إسرائيل على العرب والمسلمين بالقوة. ولذلك تتبخر الفرصة التاريخية لعقد صلح عادل في فلسطين.

يقول شارون في تصريحات ادلى بها لصحيفة «يديعوت احرونوت» بمناسبة عيد رأس السنة العبرية، انه لن يقدم على تنفيذ اي انسحاب آخر من جانب واحد، من الاراضي الفلسطينية، متسلحا بالدعم وبالوعد الأميركي بمواصلة السيطرة الاسرائيلية على الكتل الاستيطانية الكبرى، ورفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين ومنع الضغط الدولي على اسرائيل كي تنسحب الى حدود عام 1967م.

ويقول المحلل الإسرائيلي شيفر ان اسرائيل لن تُطالب بتقديم تقارير حول قدراتها النووية، وهو ما يلمح اليه شارون حين يتحدث عن تفاهماته مع بوش على ضمان أمن اسرائيل. ويضيف: «في الخيار بين ميغرون (بؤرة استيطانية في الضفة الغربية) والمنشآت النووية، اختار شارون الحفاظ على المنشآت النووية».

ويتحدث شارون عن الثمار التي قطفها إثر الانسحاب من قطاع غزة، والذي يتمثل في تودد بعض الدول العربية والاسلامية لإسرائيل ووقف ما يسميه «نزع الشرعية الذي استهدف وضع اسرائيل في صف الدول العنصرية». ويقول الكاتب ان شارون يدأب على استخدام مصطلح «قيدت أرجلهم» حين يتحدث عن نجاحه بتجنيد المجتمع الدولي والربط بين المصالح المتناقضة للرأي العام الدولي ولاسرائيل.

في زيارته الأخيرة أعلن الرئيس الفلسطيني أبو مازن أن لقاءه مع الرئيس بوش كان ناجحا، وانه دعم فكرة الدولة الفلسطينية. لكن المحللين الإسرائيليين (ودعمهم محللون أميركيون) ذكروا أن أبو مازن خرج صفر اليدين من لقائه. مبروك على الإسرائيليين فشل أبو مازن! ومبروك للأميركيين أنهم يؤكدون للمرة الألف أنهم من الرخويات، تلك الحيوانات التي دون هيكل عظمي ودون صلابة، وان قوتهم لا تظهر إلا على دول صغيرة ضعضعتها الحروب مثل أفغانستان والعراق.

الحلول تزداد سهولة كل يوم لكن سيد البيت الأبيض يجبن عن التصدي لها. فبرغم كل «تطرف» حماس فإنها أعلنت باستمرار انها لا تقف في وجه حل سياسي عادل مع الإسرائيليين، والرئيس الفلسطيني هو شخص يكاد في نقائه الشخصي أن يحاكي الملائكة، ويفترض انه بتوليه المسؤولية أسقط التهم التي كان يتبجح بها الإسرائيليون والأميركيون ضد سلطة الرئيس عرفات المتهمة بالفساد، والتي لذلك لم تكن تصلح للتفاوض معها.

ما الذي ستخسره إسرائيل من سلام عادل مع الفلسطينيين؟ لا شيء سوى مجموعة من المستعمرات التي لا قيمة اقتصادية لها. وهي كانت ستكسب كل شيء: طي صفحة صراع مرير دام أكثر مما يجب، وانفتاح اقتصادي كامل مع العالمين العربي والإسلامي. لكن لا يزال حكام إسرائيل يرون في السلم خطراً على كيانهم، ويسايرهم الأميركيون على ضلالهم. لِمَ هذا الضعف مع إسرائيل؟ ها قد انتخب بوش للمرة الثانية ولم يعد يخاف من لوبي يهدد حظوظه في إعادة الانتخاب، والشعب الأميركي في أغلبه اليوم مع حل ينصف الفلسطينيين. حتى يهود أميركا أيضا فقد أكثرهم صبره مع دعاوى التطرف الصهيونية.

لكن سيد البيت الأبيض لا يملك عظاما تسند قامته في وجه إسرائيل، خائف إزاء تلك الدولة التي لأجلها دفعت أميركا الثمن في الحادي عشر من سبتمبر. كان ممكنا للرئيس الأميركي أن يستلهم رئيسا آخر جرؤ على اتخاذ القرار الصواب قبل نصف قرن. كان بإمكانه أن يقلد أيزنهاور في السويس حين اخبر البريطانيين والفرنسيين أن عالمهم الإمبراطوري قد انتهى وأنهم يجب أن ينسحبوا، وحين أرغم الإسرائيليين على الجلاء من قناة السويس.

للأسف فإن ابن تكساس لا يستطيع أن يلاعب مسدساته القديمة أمام زائر مثل شارون ليفهم الرسالة. ربما يرهبه حجمه الضخم أو تاريخه الدموي؟ أكيد أن شارون ليس رخواً أبدا، لكن إسرائيل قابلة لان تثوب لرشدها رغم أنف شارون وأصحاب الأحلام الإمبراطورية اليهودية.

رجل تكساس الرخو لا يستطيع أن يتحدى إلا الأوهام الإمبراطورية لقلة من الأصوليين الضائعين في الجبال ما بين أفغانستان وباكستان. رجل تكساس لا يستحضر شجاعته إلا حين يصنع نمراً أصولياً من ورق، فيما النمور الحقيقية في إسرائيل متروكة لتلتهم الضحايا دون رادع.