الذي خرج ولم يعد !

TT

رأى كبير آلهة الإغريق (زيوس) أن الإنسان وحيد، فقرر أن تكون له زوجة، وطلب من بقية الآلهة أن يمنحها كل واحد منهم صفة، وهذه الصفة هي الهدية وتم ذلك، ثم سألهم: ماذا تسميها ؟ فقال أحدهم: نسميها باندورا، أي التي عندها كل الصفات، كل الهيئات، كل المواهب.

وكانت باندورا هي حواء الأساطير الإغريقية، ولها صفات أخرى غير صفات الرجل: هو قوي وهي ضعيفة، هو غبي وهي ذكية، هو صبور وهي قلقة، هو يريد أن يعمل وهي تريد أن تبقى في البيت.

ورأى كبير الآلهة ان يحبس كل شرور البشر في صندوق، وأن يبعث لها بالصندوق، وتركه عندها أياما، وأوصاها ألا تفتحه ثم حذرها، وألا كان خطراً عليها وعلى زوجها، وسافر الزوج، وراحت باندورا تتأمل الصندوق الجميل، ووجدت نفسها وحدها مع الصندوق وحده، وفي يوم رفعت الصندوق إلى عينيها ثم على أذنيها فقد سمعت صوت استغاثة داخله وأدنت أذنيها، وتأكدت أنها كائنات حية تطلب الافراج عنها.

ثم فتحت الصندوق فخرجت أشكال وألوان غريبة من الكائنات وكلها تلسعها وتنهشها وتوجعها في كل مكان، ثم طارت إلى زوجها وأوجعته في كل مكان.

وفي يوم جلست باندورا تتوجع وتنظر إلى الصندوق الذي كان مصدرا لكل هذه الويلات فسمعت صوتا نحيلا أو كما قال طه حسين: صوت نحيل أبيض يستغيث ويقول: أنا مختلف، أنا لا أجرح ولا أوجع، أنقذيني، لكي أنقذك.. أنا وحدي القادر على ذلك.

وترددت ثم فتحت الصندوق وخرج كائن رقيق جميل يطير حولها ويلمسها بجناحيه في كل مواجعها وإذا بها قد شفيت تماما وكذلك زوجها، أما هذا الكائن الجميل فهو الأمل!

الأمل في أن المريض يجد الشفاء وأن المحزون يجد السرور والمأزوم يجد الحل.

ولكن باندورا في زماننا فتحت كل الصناديق ولم يخرج هذا الأمل، وبقيت الشرور كما هي بدون أن يكون هناك أي أمل في الشفاء منها، حتى الأمل يا باندورا قد ارتدى ثياب اليأس والهوان، فكأن الأمل قد خرج مرة واحدة ولم يعد!