الدرس الغائب في أحداث الإسكندرية..!

TT

كنت اعيش في سياتل الاميركية. وكان اخي وزوجته في زيارة لي عندما ارتطمت الطائرات بمركز التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر 2001، ولم نخرج من المنزل لمدة يومين لخشيتنا من مهاجمة الاميركيين الغاضبين من المسلمين لزوجة اخي لأنها تضع الحجاب.

وفي 13 سبتمبر2001 حاول اميركي غاضب هو باتريك كانينغام اشعال حريق في كراج مسجدي المحلي. وعندما حاول مسلمان كانا قد انتهيا من اداء صلاة العشاء منعه، اطلق عليهم كانينغام، وكان تحت تأثير الكحول، النار لكنه لم يصبهما. وقد قبض عليه وحوكم وسجن، ولكن ليس هذا المهم.

الامر الاكثر اهمية هي باقات الزهور ورسائل التأييد التي تدفقت على المسجد عندما انتشرت انباء محاولة الهجوم. ومنذ تلك الليلة ولعدة اسابيع، كان سكان الحي من الرجال والنساء يرفعون لافتات «المسلمون اميركيون» ويتولون الحراسة خارج المسجد لمدة 24 ساعة يوميا.

والى ذلك ظللت انتظر سماع ان المسلمين الذين يعيشون بالقرب من كنيسة سان جورج في الاسكندرية نظموا دوريات مماثلة لحمايتها، بعد أن أصبحت هدفا لغضب المسلمين بسبب مسرحية اعتبرت مهينة للاسلام عرضت في الكنيسة قبل عامين. وقد تصاعد الامر ووصل الى اضطرابات بعد صلاة الجمعة يوم 21 اكتوبر قتل فيها ثلاثة اشخاص واصيب عشرات بجراح عندما اطلقت قوات مكافحة الشغب قنابل مسيلة للدموع، واستخدمت العصي لتفريق 5 الاف متظاهر مسلم تجمهروا امام الكنيسة. وقد قتلت راهبة طعنا بسكين بعد عدة ايام. ولكن قبل صلاة الجمعة في 28 اكتوبر كان هناك مئات من قوات مكافحة الشغب لحماية الكنيسة.

وكان الامر يبدو وكأن الكنيسة تحت الحصار. ولكن الواقع ان حقوق الاقليات هي الواقعة تحت الحصار، ليس فقط في مصر ولكن في جميع انحاء العالم العربي. ولن نتعلم شيئا من احداث العنف في الاسكندرية الا اذا وضعناها في اطار اكبر. اولها الاطار الاقليمي الذي يركز على الاغلبية السنية وكيف تعامل الاقليات، سواء كان ذلك من طوائف اسلامية اخرى او اديان مختلفة. وثانيها هو الاطار العالمي الذي يغير المعادلة بالتركيز على الاقليات الاسلامية حول العالم، ولا سيما في الغرب. ففي الاسبوع الماضي طالبت المصريين بالاعتراف بوجود تفرقة ضد المسيحيين في مصر. ورد الفعل الهائل الذي تلقيته ردا على ذلك كان دليلا على ضرورة انهاء النكران الذاتي ومواجهة هذه المشاكل بسرعة. واشكر كل القراء الذين كتبوا لي.

ان حقوق الاقليات في مصر اساسية بالنسبة للنقاش حول الاصلاحات والديمقراطية، التي بدأت عندما بدأ انصار الاصلاح في التظاهر عام 2004. واعترافا بذلك، فقد طلبت حركة «كفاية» المعارضة من المصريين الانضمام لمسيرة يوم الاثنين ضد اخطار الطائفية. وكانت حركة «كفاية» قد تأسست من مجموعات من المسلمين والمسيحيين الذين قادوا حركة احتجاجات باعتبارهم مصريين. ومن هنا لا يجب التوقف عن المطالبة بحقوق الاقليات.

قال مسيحي في برنامج دردشة مصري حول العلاقات الطائفية، إنه يفضل أن يُقتل على يد متطرفين مسلمين من أن يتم إنقاذه على يد الولايات المتحدة. لكن الضيوف المسلمين في البرنامج قفزوا من أمكنتهم كي يؤكدوا له أنهم سيدافعون عنه ضد المتطرفين. لكن حينما انفجرت الاضطرابات بعد أسابيع قليلة على تقديم البرنامج في الإسكندرية، كان رجال الشرطة فقط هم من دافعوا عن كنيسة القديس جورج.

كذلك فإن حقوق الأقليات كانت موضوعا أساسيا في الحوار حول العراق وحول كيانات السلطة الاثنية والطائفية.

فالأقلية السنية في العراق تسعى للتكيف الآن مع الوضع الحالي بعد فقدان الامتيازات التي كانت لها إبان حكم صدام حسين. ومع دعوة الحكومات العربية السنية للحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة والأكراد، أن تحترم حقوق الأقلية السنية، فإن عليها أن تحترم أولا حقوق الأقليات في بلدانها مخافة أن تصيب أحجارها بيوتها الزجاجية.

وأكثر من ذلك، على البلدان ذات الأغلبية المسلمة أن تكون أكثر اهتماما بحقوق الأقليات فيها، لا لأن ذلك صحيح من الناحية الأخلاقية فقط، بل لأن هجمات11سبتمبر 2001 وغيرها قد وضعت الأقليات المسلمة في الغرب في وضع مشتبه به وبشكل دائم.

حينما انتقلت قبل خمس سنوات من مصر إلى الولايات المتحدة، تحولت من كوني منتمية إلى الأغلبية إلى الأقلية التي هي تحت المراقبة. وكانت محاولة الهجوم على المسجد في سيتل قد أنتهت بدون أي أذى. لكن هجمات أخرى كانت أكثر نجاحا. فالمسلمون وأولئك الذين يعطون انطباعا أنهم مسلمون خطأ، قد تعرضوا للهجمات وبعضهم قتل، فيما تمّ إحراق بعض المساجد وتعرض بعضها الآخر للتشويه.

لكن هناك مصادر قضائية يمكننا أن نتوجه إليها. وقد حققت الجماعات المناصرة لحقوق المسلمين دعاوى ضد التمييز والطرد التعسفي من العمل لعدد من المسلمين، في وقت يحلم فقط المسيحيون في بلدي الأصلي بهذا الشيء.

أنا أعيش في نيويورك الآن لكن هناك نهاية سعيدة تخص الحادثة الخاصة بمسجد سيتل التي يجب التعلم منها. فقد قال المغترب الأردني عيسى قنديل الذي كان أحد الرجلين المسلمين اللذين حاول كانينغام أن يقتلهما بالرصاص للسلطات، أنه سامح كايننغام ويريد إسقاط التهمة ضده، فيما قالت صحيفة ذا سياتل ويكلي إن ذلك غير ممكن لكن تصرف قنديل في المسامحة سهّل من إسقاط بعض التهم عن كانينغام ضمن اتفاق. وجاء قنديل أيضا ليشهد عند الاستماع إلى إصدار الحكم ضد كانينغام فقال إن العقاب غير مفيد، وطلب من المحكمة أن تكون لينة في حكمها ضده. وصدر حكم على كانينغام بالسجن لمدة ستة أعوام ونصف بدلا من 75 سنة.

وحسب الصحيفة فإن كانينغام كتب رسالة بأربع صفحات يعتذر فيها لمسؤولي المسجد مشيرا إلى الشخصين اللذين حاول قتلهما بأنهما «رجلان شجاعان».

[email protected]