الشقيقة..

TT

الشقيقة مرض بشع معروف يأتي عادة على شكل أوجاع عنيفة جدا تصيب الرأس، وتقلب حياة المصاب بها لساعات رأسا على عقب. والشقيقة كانت لسنوات الاسم «الحركي» لسوريا على لسان أعداد كبيرة من المواطنين اللبنانيين، حتى أن مذيعا لبنانيا لامعا كان ضيفا على أحد برامج تلفزيون الواقع في بيروت، فلاحظ ان احدى المشتركات من المغرب العربي كانت عابسة الوجه فسألها ما المشكلة؟ فأجابته ممسكة برأسها، أعاني من أعراض الشقيقة، فضحك معلقا «نحنا بلبنان كل يوم بنشكي من الشقيقة»، في اشارة واضحة لشكوى اللبنانيين من الاجهزة الأمنية السورية بلبنان. أبدع العرب عبر الزمان استخدام كلمات كالأشقاء والشقيق والشقيقة لوصف العلاقة الحميمة التي تربط دولهم ببعض، وواقع الأمر أن بعض الدول بينها علاقات شاذة وغريبة لا علاقة لها أبدا بالإخوة ولا روابط الدم، ووصف مخادع كهذا استغل لسنوات طويلة لتمرير وتشتيت مواقف وسياسات كان لا يمكن أن تقبل إلا تحت غطاء ظاهرة نبيلة ومثال كغطاء «الأخوة والأشقاء». وما عانته لبنان بسبب هذه الأخوة العميقة من قبل سوريا سبق وأن عانته بامتياز من قبل دولة الكويت من شقيقتها العراق، وكذلك كانت الأخوة في أوجها بين مصر وسوريا خلال فترة الوحدة الغريبة يبين سوء استغلال كلمة الشقيقة ومعنى الأخوة.

هذه الاوضاع الغريبة ما هي إلا نتاج افرازات طبيعية لمناخ سياسي غريب، مناخ تتحكم فيه زمرة من الاشباح لتحريك الاشخاص بأسلوب هو اقرب لعصابات المافيا والعالم السفلي حول فيه عامة الناس الى اشباه بشر يتحكم فيهم القلق والخوف والشك والريبة. وهذا المشهد كان هو سمة ما يحدث في لبنان خلال السنوات الماضية، والتي أدى السكوت الدولي والعربي واللبناني على التجاوزات التي كانت تحدث فيها الى مهازل ما بعدها مهازل. واليوم يتابع العالم انتقال العلاقة ما بين شقيقة وأخرى الى لقاء فيه حدة وغضب واضطراب، قد يولد عداوة تتوارثها أجيال بعد أجيال. الآلية التي بنيت عليها العلاقات بين «الاشقاء» كانت مبنية على باطل، وما بني على باطل فهو باطل، لأنها ولدت علاقة غير سوية ولا متكافئة.

كان هناك دوما احساس واضح بأنه يوجد رئيس ومرؤوس وآمر ومأمور في هذه العلاقات، وعليه وصلت الأمور الى ما هو عليه. مرة أخرى مثال الاتحاد الاوروبي يبرز أمأمنا كنموذج على العلاقات السوية بين الدول دون تزييف العبارات ولا الألقاب ولا الأهداف، وبوضوح واختصار، وهنا مكمن الخلل، لأن علاقات الاشقاء إياهم ليس فيها وضوح ولا صدق.