لا .. الخير لم ينقطع بل...

TT

رثى أحد الزملاء في مقال له فعل الخير بعد «الهجمة» التي شنت على الجمعيات الخيرية في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر. وليسمح لي ان أخالفه الرأي خاصة ان هذا انطباع اشاعه البعض متجاهلين الحقائق المصاحبة لهذا الاستنتاج المتعجل. نعم، لكل حرب ضحايا، ولا بد ان جمعيات احسان قد تضررت من الوضع الذي طرأ، وان محسنين كبار آثروا السلامة على «التورط»، لكن كثيرا منهم لم يمتنع بل بات اكثر حذرا، وهذا امر لا ضرر فيه.

فقد وجه النقد السابق ضد تراخي القوانين وليس ضد العمل الخيري. ضد تكاثر جمعيات بعضها مجهول، صارت دكاكين للتربح الشخصي، وضد تبرعات ثبت أن ارتباطاتها تهدد البلد خارجيا، بل وبعضها كانت نشاطات لتمويل الارهاب على بلدنا. وسبق ان اذيع رسميا وعلانية أدلة لصناديق جمع أموال باسم العمل الخيري كانت ضمن مقتنيات إرهابيين ضبطها رجال الأمن. وبالتالي القول بأن العمل الخيري كان يذهب كله لمساعدة المستحقين ليس صحيحا. ولا ننسى اننا واجهنا، أكثر مما واجه الغربيون من عمليات ارهابية، الكثير منها أجهض، تعتبر اعظم خطر مررنا به في نصف قرن، فكيف لا نقلق من مصدر تمويل الارهاب المستمر. وفي زمن كهذا ليس من حق احدنا ان يشرع الباب على مصراعيه لجامعي المال، من دون ان يُسألوا من أين وكيف سينفق، فهذا من حق المحسنين أولا، وواجب الدولة ثانيا، ولمصلحة المجتمع كله.

وبكل أسف حيث يوجد مال بلا رقابة، توجد نفوس مريضة طماعة او مغرضة مشبوهة، والبراهين موجودة على ذلك. فمئات الملايين من الريالات بذلت من اجل الاحسان، لكن انفق بعضها على اعمال أخرى، كمواقع إلكترونية ومنشورات وأحزاب. وهناك اموال راحت لجيوب المحتالين. فالأمانة الشخصية لا تكفي ولا تبرر لفرد ان يضع ثلاثمائة مليون ريال في حسابه الشخصي، بدعوى انه يريد ان ينفقها مباشرة على عمل الخير.

العمل الخيري موجود منذ زمن وليس اختراعا جديدا. كانت هناك جمعيات جلها تحت انظار الحكومة، مثل جمعية البر الخيرية، وكان الناس يتبرعون عن طريقها على مدى عشرات السنين، ولم نسمع عنها شكوى ولم توجد فيها مخالفات، وظلت تعمل بعيدا عن الدعاية والتحزبات، من أهل الخير الى مستحقيه مباشرة. فالخطأ ليس تنظيم العمل الخيري تحت مظلة الحكومة، كونها المسؤولة الأولى عن المجتمع، بل واجبها تشديد الرقابة على كيفية إنفاق أموال المحسنين عندما تمنح.

فالثقة لا تكفي في العمل، بل الشفافية واستمرار المحاسبة التي يجب ان تصاحب كل عمل، سواء كان تطوعيا ام قسريا. هذا هو ديدن المؤسسات الصالحة الواثقة من هدفها ونشاطاتها وأهلها.

في بلدنا، وفي أرض الله الواسعة، الكثير من المحتاجين الذين يباتون بلا طعام، وينامون في البرد بلا لحاف، ويموت أطفالهم لنقص الدواء، وواجبنا جميعا ان نحبب الناس في فعل الخير بحيث يتم في وضح النهار، ومن أبواب معروفة ومرصودة.

[email protected]