دعوها تمر.. دعوها تعمل!

TT

في الزاوية الدينية في إحدى الصحف العربية، يسأل أحد المسلمين الذي يعيش في مدينه أوروبية قائلا «في رمضان زارهم أحد الشيوخ في المسجد فوجدهم يضعون حاجزا بينهم وبين النساء فعاتبهم وخطأهم قائلا إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يضع بينه وبين النساء حاجزا في المسجد. ثم أن النساء اللاتي تفصلونهن في المسجد هن ذاتهن اللواتي تقابلوهن وتختلطون معهن في الشارع بعد خروجكم من المسجد، ثالثا يجب أن تزيلوا الحاجز لكي تعلموا أولادكم وأنفسكم غض النظر وحسن التأدب وآداب الجلوس بحضرة النساء من غض النظر وغيره».

مفهوم عزل النساء، الذي وصل بتناقضاته إلى مسلمي دول الغرب حتى بدا كما وصفه الشيخ «غريبا»، هو ما يستغربه المشاهد لدنيا اليوم، فهو محل دهشة كبيرة. وكلما ذهبت إلى مؤسسة خاصة بالنساء، مهما بدت كبيرة ومهمة، وجدت النساء محاطات بتلك الحواجز التي تحمل في ظاهرها نية عدم الكشف حتى ولو تجاوزت حدود السلامة الأمنية والجسدية لأرواح النساء وكرامتهن أيضا.

بل هي تقدم قوانين الضبط المتشدد والمغالى فيها، على سلامة أرواحهن وكرامتهن، فلو ذهبت لمؤسسة كبيرة مثل مركز الدراسات الجامعية للعلوم الإنسانية، التابع لجامعة الملك سعود، والذي يقع على أربعة شوارع، يحيط بها عدد كبير من البوابات، لوجدت معظمها مغلقة، ولا تفتح منها إلا واحدة فقط للطالبات، ولا تظن أن هذه البوابة الواحدة بكاملها مفتوحة، بل لا يفتح منها سوى باب صغير فيها، تتدافع منه الطالبات ويدفعن ثمن ضيقه، إما كدمة أو شتيمة من متضررة تزاحمهن. أما مركز الدراسات للعلوم العلمية الآخر فليس بحال أحسن مما سبق.

زرت مرة إحدى المدارس الخاصة الفاخرة والتي تتمتع ببناء نموذجي تحسده عليها المدارس الباقية، له بوابات كبيرة لا يقل عرضها عن ستة أمتار تقريبا. هذه البوابات تفتح كلها إلا تلك البوابة الخاصة بالطالبات، يفتح منها ما لا يزيد عن متر فقط بحجة أن لا يكشف الواقفون من الرجال في الخارج النساء بالداخل، رغم أن جدارا عريضا قد سد المدخل وحجب الداخل كاملا، لكن الاحتياط واجب. ولا تهم أرواح الصغيرات اللاتي يتدافعن في قيظ وشمس وتعب آخر النهار.

تحولت حالة ستر النساء في المؤسسات النسائية وفي بعض الرؤوس إلى هاجس غالى بتوتره حتى تقدم على سلامة أرواحهن، ولعل حادثتي حريق مكة الذي شب في مدرسة البنات وغرق حافلة طالبات جامعة الإمام في الرياض السابقتين تكشفان إلى أي حد يقدِّم بعض الناس حكاية الستر المغالى فيه على سلامة هؤلاء النساء.

لا أدري ما الذي يرعب هؤلاء من رؤية امرأة في حجابها خارجة من باب كبير، ولماذا تدفع النساء دائما ثمن قلة الوعي بآداب النظر واحترام النساء في الشارع والمؤسسة، وإن كانت النساء يختلطن في المساجد في عهد الرسول فلماذا تضيق البوابات عليهن وتعتصر الطالبات الصغيرات في سعة متر للخروج والدخول، ولماذا تضيق بهن الأرض وقد رحبت!

[email protected]