مشروع (ببلاش)

TT

أرجو المعذرة، فمقال اليوم فيه شيء من (القرف)، لكن هذا لا يهم، فأغلب أيامنا في هذا الزمان مقرفة للأسف، ومَن لم يتعود على ذلك (القرف)، فهو لا يسمع ولا يرى ولا يفكر، انه فقط يتكلم. في إحدى الصحف الصادرة في عام (1875)، نشر الإعلان التالي:

فرصة رائعة لتصبح غنيّاً، لقد بدأنا في إنشاء مزرعة للقطط في (لا كون) تحوي 100 ألف قطة، كل قطة سوف تنجب في المتوسط 12 قطيطة في العام، وسيباع جلد القطة الواحدة بثلاثين سنتاً، ويستطيع مائة رجل أن يسلخوا جلود 5000 قطة يومياً، ونحن نقدر ربحاً يومياً يزيد على عشرة آلاف دولار، والآن كيف سنطعم هذه القطط؟!.

سوف نبدأ بإعداد مزرعة للفئران إلى جوار المزرعة الأولى، تحوي مليون فأر، وتتكاثر الفئران أسرع من القطط بمعدل 12 مرة، ومن ثم سيكون لدينا أربعة فئران لكل قطة يومياً، والآن ماذا سوف تأكل الفئران؟!.

سوف نطعم الفئران جثث القطط بعد سلخها، وهكذا نُطعم الفئران للقطط، ونُطعم القطط للفئران، ونحصل على جلودها بدون مقابل.

والغريب أن المشروع نجح وتهافت الناس على المشاركة فيه.. غير أنني عندما قرأت هذا الإعلان الذي مات كاتبه ومات كل قرّائه، ووصل لي أخيراً فآليت على نفسي إلاّ أن أوصله لكم، ومن كانت عنده رغبة في خوض هكذا تجربة، فليتفضل، فها هي القطط تملأ شوارع وأزقة المدن العربية، أما الفئران فحدّث ولا حرج، وكله (ببلاش)، وأنصحه أن يحول مشروعه إلى شركة مساهمة، فسوق الأسهم في هذه الأيام بارتفاع. وبالمناسبة، فهذه هي أول مرة اسمع أن جلود القطط صالحة للاستعمال.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فما زلت أفكر في مشروع ناقشه معي بحماس أحد الأصدقاء من الشباب الحالمين بالثراء السريع، إذ انه يفكر حالياً بعمل مزرعة لإنتاج التماسيح - نعم لإنتاج التماسيح ـ ومثلما يقول فغذاؤها منها وفيها، فكبارها تأكل بعض صغارها، وعندما تكبر الكبار يسلخ جلدها الذي هو (رأس المال)، ثم يوزع اللحم على بقية التماسيح، وهكذا دواليك ـ يعني مثلما يقول أبو صياح: (من دهنو سأِّيلو).

قلت لذلك الصديق الطموح بعد أن تنفست الصعداء قليلاً: إن هذه ليست تجارة وإنما جزارة، فقال لي: (ومالو)، فقلت له: ألا تشمئز وأنت تشاهد الحياة والموت يصطرعان أمام ناظريك في كل يوم؟!، فردّ عليّ: أليست هذه هي الدنيا؟!، أليس بعض الناس يسلخون جلود بعضهم بعضا، ويأكلونهم أحياء؟!

آثرت الصمت، وأنا أتمتم بيني وبين نفسي: معاك حق.

[email protected]