الشيش والبيش!

TT

كنت ألقي بجسدي المنهك على كرسي بأحد المقاهي القاهرية، وقد ازدحم المقهى بخليط عجيب من خلق الله، منهم الإيطالي الذي يرفع صوته إلى أقصى مداه على الرغم من قصر المسافة بينه وبين المرأة التي يتحدث إليها، فليس ثمة أسرار يحتفظ بها الإيطالي لنفسه إذا ما اضطر لأن يفتح فمه في مكان عام.. شباب من الخليج بـ «غترهم» البيضاء وثيابهم االفضفاضة انهمكوا في مناقشة حادة حول الكرة، ويبدو أن ثمة خلافات بينهم حول زعامة الكرة الخليجية.. عن يساري مجموعة من اللبنانيين يدخنون «الاراجيل» ويلوكون كلاما عن النهايات المفتوحة لتقرير المحقق ميليس.. على طاولة بعيدة جلس رجل وامرأة، كان الرجل يلوح بيده وهو يتحدث بصورة جعلتني أخاف أن يقتلع عين المرأة التي أمامه بإصبعه، تمنيت لو امتلكت الجرأة لإقناعها بأن «تخلع» منه بعينين سليمتين.. على طاولات أخرى توزع أناس كثيرون بعضهم يلعب «الكوتشينة» والبعض آثر أن يلعب «الدومينو»، وصوت رجل هرم احتل قمة الضجيج ساخرا من منافسه في اللعبة يقول:

ـ «غشيم ما تفرق بين الشيش والبيش!».

وولد شقي يخلع الساعة من معصمه ليسأل الحسناء التي تجلس على طاولة مجاورة عن الزمن، فترد في حدة قائلة:

ـ من الأفضل أن تشتري ساعة بدلا من سؤال الناس.

يعاقبها على حدتها بإخراج الساعة من جيبه وإعادتها إلى معصمه، وهي تتابع ما يفعل وقد تملكها الغيظ، ولربما كانت تمقت الساعة التي أتت بمثله إلى جوارها.

وقارئة كف تبيع وهمها للزبائن، استرقت السمع لجزء من حوارها مع زبون:

ـ سأذكر لك اسم رجل يكرهك بمائة جنيه.

ـ لكنني أريد نسيانه بألف.

ـ في داخله كمية كبيرة من الحقد الخام عليك.

ـ من الأفضل أن تنصحيه بعدم بلع ريقه كي لا يصاب بالتسمم.

ـ ستصبح ثريا.

ـ إذا عليك انتظار أجرتك حتى تهبط الثروة.

ـ دمك ثقيل.

ـ لكن جيبي ليس كذلك.

في تلك اللحظات التي كنت اعتصر فيها آخر الدموع في فنجان الشاي تذكرت رأيا لسارتر عن المقهي إذ يقول: «إذا لم تستطع أن تلف حول العالم، فاحجز كرسيا في مقهى ودع العالم يلف حولك».

[email protected]