فاطمة

TT

تمهل يا عيد لنقص عليك أحزاننا في رحيل فاطمة.. وفاطمة يا عيد امرأة اعتادت أن تكون العيد، كانت تحتفي بقدومك بحلوى اللوزية وعطر الليمون و«عيديات» الصغار.. كان وجهها فنارا يقودنا إلى حضنها الفرح.. وحينما أعلن المذياع قدومك هذا العام وانطلق من راديو الجيران صوت أم كلثوم يغني:

يا ليلة العيد أنستينا.... وجددت الأمل فينا

كان جثمان فاطمة مسجى على فراشها، وكنت في زحمة السوق ابتاع كفنا لها، ونداءات بائعي الحلوى تتعالى في فضاء المكان:

يا حلاوة العيد... يا حلاوة

من مال جديد.... يا حلاوة

مسكين بائع القماش ربما ظن قطعة القماش التي اشتريتها ثوب فرح!

وفاطمة ليست كل الحكايا أيها العيد، فهناك اليتيم، الذي يبحث عن أب، والغريب الذي يحن إلى وطن، والفقير الذي يحلم بالخبز.. وذاك الشيخ الهرم الذي اعترضك في الطريق لعله أراد أن يستجديك ـ يا عيد ـ ألا تمضي قبل أن ينال حصته من الفرح، فمررت راكضا ولم تسعفه قواه على اللحاق بك، وتلك المرأة التي ظلت خلف النافذة تنتظر قدومك فلم تطرق بابها، فاكتفت بأن تراك في أهازيج الصغار وفي ملابس العابرين ورائحة عطرهم.

فمن اجل هؤلاء وغيرهم إلجم جماح فرسك يا عيد، حتى تنبت في جدب المعدمين أملا، وفي شوق المغتربين وطنا، وفي ليل المتعبين راحة، فهذا الفرح المثقوب لا يكفي لكفكفة دمع أو لملمة حزن.. قف أيها العيد حتى نتقاسم الفرح والعطر والحلوى، حتى نتشاطر الكعك والحب والقهوة.. اهطل على مشاتل تلك النفوس التي داهمها الجفاف ربيعك، وعلى تلك القلوب التي أضناها الشقاء سعادتك.. قم بتوزيع «حلاوتك» في الدروب المكتظة بأطفال البؤس، امنحهم اللعب وكسوة العيد، ودعهم ينتشرون في الطرقات بملابسهم الخفاقة كرايات فرح..

تمهل أيها العيد، انزل من عليائك، تنازل قليلا عن وقارك والعب مع الأطفال في شوارع المدينة الخلفية، أطرق أبواب الدور العتيقة الموصدة.. نادم الأرامل خلف النوافذ الكئيبة، قف بجوار الأسرٌة البيضاء واسكب على سكانها بعض أغنياتك.. وها نحن نخدر أحزاننا يا عيد.. نرشيك بالبخور والعطور والملابس الملونة، نتوسلك يا عيد أن تهطل فرحا يغسل القلوب من أحزانها، ويجلو الارواح من عنائها.

«العيدُ أقبلَ تُسْعِـدُ الأطفـالَ ما حملتْ يـداه

لُعَباً وأثوابـاً وأنغامـاً تَضِـجُّ بهــا الشِّفاه

وفتاكَ يبحثُ بينَ أسرابِ الطفولةِ عن نِداه

فيعـودُ في أهدابه دَمْعٌ، وفي شفتيـه آه»

[email protected]