التحري الجديد

TT

روى لي السناتور جيمس ابو رزق في السبعينات انه ورفاقه في مجلس الشيوخ، اذا ارادوا التهرب من التنصت الحكومي، كانوا يسافرون من ولاية الى ولاية لتجنب ذلك. فكل مكالمة تجرى مسبوقة بمفتاح خارجي تسجل فوراً. وترسل الى «مضبطة» تضم ملايين المكالمات، حيث تحلل. وفي نهاية كل يوم يحفظ منها الضروري وتلغى جميع المكالمات الاخرى.

الاداة الرئيسية في اكتشاف قتلة الرئيس رفيق الحريري كانت الهاتف الخليوي. فقد تنبه المرتكبون متأخرين الى الغاء ما يسمى «بالبصمات الصوتية». وعثر وزير الاتصالات مروان حمادة على «الكنز»، ثم قدمه الى المحقق الدولي ديتليف ميليس. وبرغم ما اتلف من تسجيلات ظل هناك المئات، مما يصلح لمادة في المحاكمة المقبلة. والرجال الذين كانوا يتنصتون على الآخرين كل لحظة، نسوا ان هذه الآلات تسجل محادثاتهم وتهديداتهم ومكالماتهم الغرامية مثل سواهم.

غير ان المهم طبعاً هو ما يتعلق بالجريمة والتآمر. وبسبب الخليوي اكتشفت الشرطة اللبنانية في السنوات الاخيرة الكثير من الجرائم غير السياسية. وهذا الاختراع المذهل لم يعد يمكننا ان نعدد «مهامه». فهو يمكننا من مخاطبة اي كان من اي مكان في الارض، ويلتقط الصور الملونة، ويبلغنا بالاخبار العاجلة، ويعرض لنا الافلام الموسيقية. وقبل سنوات كان بريطاني يتمشى في احد الحقول عندما هاجمه قطيع شارد من البقر. والتقط انفاسه في هذا الحقل الخالي واتصل بالاسعاف فحضر وانقذه على الرمق الاخير.

العام 1875 اخترع المستر الكسندر غراهام بل شيئاً اسمه «التلغراف الناطق». وتلغراف يونانية تعني «الكتابة عن بعد». واصبح هذا في ما بعد الهاتف. لكن الهاتف ظل الى اكثر من قرن مثبتاً في الجدار ويحتاج الى «خط» خاص، ثم جاء «الخليوي» وحدث ما حدث من قبل بين الراديو والترانزستور الذي غيّر سلوك العالم. وانضم الخليوي الى «اعاجيب» القمر الصناعي الذي حرر الاثير من الاسلاك والاعمدة. وبما ان الاميركيين يخترعون لكل اختراع آلة مراقبة سلفاً، فعلوا مع الهاتف اللاسلكي ما فعلوه مع هاتف المستر بل، الذي بدأ حياته مدرّساً للاطفال الذين يعانون من صعوبة في السمع. وفيما هو يبحث عن طريقة لإيصال الموجات الصوتية بصورة افضل، بدأ تجاربه، مثل جميع الصغار، على علبتي تنك تربطان بخيط وتستخدمان كسماعتين. وطالما لعبنا هذه اللعبة ونحن صغار، حيث لم يتوافر لنا سوى التنك الفارغ من علب التونة والسردين. ولم يكن بيننا المستر بل، ولا مساعده المستر واتسون.