العطاء فعل اجتماعي عام

TT

من يشاهد حملات التلفزيون السعودي أثناء الأزمات العالمية كما في تسونامي المحيط الهندي ثم زلزال باكستان الهائل الذي خلف وراءه عشرات الآلاف من الضحايا، يشكر الله على السلامة، وأنه صاحب العطاء وليس صاحب المصيبة، ويشكر الله أنه القادر على البذل وليس المحتاج، ويشكر الله أيضا على أنه رأى ببصره وسمعه وقلبه العدد الهائل للقلوب الرحيمة التي هبت تلبي النداء من كل فج عميق بقلب مؤمن بالثواب والعقاب، ممتلئ بالرحمة لا بالقسوة، بالأسى لا بالشماتة. السعوديون وحدهم جمعوا ما زاد عن مائة مليون ريال، أي ما يقارب 27 مليون دولار أميركي. قناة mbc الفضائية أيضا كرست ليلتها في جمع التبرعات متكاتفة مع جهود التلفزيون السعودي بتوجيه النداء عبر فضائها.

بين الحملتين «تسونامي» و«زلزال باكستان» قاسم مشترك هو أن المجتمع السعودي تعاطف مع الألم الإنساني من دون السؤال عن جنسه ولونه ومذهبه.

في الحملات الإنسانية يحاول المجتمع الإنساني، أيا كان لونه وجنسه، تحويلها إلى درس ديني وتربوي وحضاري يظهر فيه أن الرابح ليس فقط هو المجتمع المصاب، بل أيضا إن المجتمع الواهب إلى أي حد هو محظوظ. فليس أطفال باكستان وأمهاتهم وجرحاهم هو من ربح الصدقات والمساعدات ومداواة الجروح، فالمجتمع السعودي الذي وقف هذه الوقفة المشرفة رأى في المرآة حجم روعته ونصاعة قلبه الخالي من الحقد والرحيم والمتعالي عن كل تشف وأنانية، مسجلا صورة للسعوديين التي طغى عليها أنهم ليسوا سوى مجتمع الإرهاب والشماتة بالآخر والبحث عن إدانة لمصائبه.

العطاء وليس الأخذ أيضا هو مكسب لوجه حضاري هام، وهذا ما يجعلنا نطالب بأن يتوسع الفعل الذي اعتادت الحملات الإنسانية والتبرعات قصره على الشيوخ المتخصصين في العلوم الإسلامية، فالعطاء ليس وجها دينيا فقط متعلقا بالثواب بل هو فعل تربوي ونفسي واجتماعي، وليس هو فعلا مقتصرا على جمع التبرعات المادية بل هو فعل يتسع لتهذيب النفس البشرية وتربيتها على الإحسان وقمع مشاعرها السلبية من أنانية وإهمال ولا مبالاة وتمسكها بسمات التعصب والتمايز والخلاف.

لهذا يحسن بحملاتنا أن تتسع في طاقمها على علماء التربية وعلماء الاجتماع وعلماء النفس، لتتحول إلى ندوة تشرح فضائل البذل والعطاء والإحسان ومساعدة المحتاجين وانعكاسها الإيجابي على الأسرة والفرد، وليشرح علماء النفس للجمهور الباذل كيف يمكن ترجمة المأساة لأطفالنا وهم يشاركوننا المشاهدة وتعجز عقولهم الصغيرة عن فهم لماذا يموت الصغار مثلهم من دون ذنب، وكيف تتحقق المصلحة للعالم أجمعه بعون بعضنا البعض.

بل إن حضور نجوم المجتمع الفني والرياضي والإعلامي، ومشاركتهم في طاقم الحملات، أمر مهم ومفيد سيلفت نظر المراهقين والمراهقات الذين يمثلون 45 في المائة من تعداد المجتمع، لجذبهم نحو تجربة العطاء، فالعطاء ليس منوطا بآبائهم وأمهاتهم، فالمراهق لو تبرع بمصروف يومه لرسخت في ذهنه هذه المشاركة الاجتماعية كعمل بارز ومسؤول في شخصيته، ولجعلته ملتفتا على الدوام ومتسائلا عن دوره في هذا المجتمع الذي يتطلع له كفرد فاعل لا كفرد هارب ومتذمر من قوانينه.

[email protected]