أربعائيات .. درس في الخير..!

TT

الملياردير الأميركي بيل غيتس تبرع بمبلغ ثمان وعشرين بليون دولار من ثروته لأعمال الخير..! أي ما يقرب من نصف ثروته..!

لو كان بيدي لعلقت هذا الخبر على بوابات المدن العربية، الممتدة من البحر إلى البحر، ولأرسلت الخبر بالبريد المسجل إلى كل رجال الأعمال العرب الذين يملكون ثروات لا تأكلها النيران..! ولوزعته مع دفاتر الأطفال في المدارس، ووضعته على طاولات الإفطار في كل بيت، ولأرسلته لكل الذين يخطبون في المساجد والذين يعلمون في المدارس..!

هذا خبر مفرح للإنسانية أن يتبرع إنسان بنصف ثروته من اجل الأبحاث العلمية ومن اجل الجامعات، ومن اجل المحتاجين ومن اجل مرضى الايدز، وهذا خبر محزن حين نقارن هذه الحالة بمئات، بل بآلاف المليونيرات العرب الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقون منها شيئا للخير..!

كم مدرسة وكم مستشفى وكم مكتبة بناها رجال الأعمال العرب في أوطانهم، وباستثناء بعض الدول الخليجية، فإن مئات المليونيرات العرب يجمعون الأموال ويراكمونها من دون أدنى شعور بالمسؤولية..!

هذه الأمة التي تمتلئ منابر مساجدها، وشاشات تلفزيوناتها بالخطب والوعظ عن الخير، وعن التكافل وعن مساعدة المحتاج، هي أمة يضرب بها رجال الاعمال المثل بالجشع وحب الذات وغياب الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين وتكرار مقولات أخلاقية ووطنية انتهت صلاحيتها وتأكد كذبها، وبعضهم بطنه مثل جهنم يصرخ إناء الليل وأطراف النهار «هل من مزيد»..!

مدن عربية كبيرة تمتلئ بالشحاذين، وأطفال عرب كثيرون لا يجدون مكانا في مدرسة، ومرضى كثيرون لا يجدون سريرا في مستشفى، ومع ذلك يراكم الأغنياء العرب اموالهم ويتعاملون مع المجتمعات التي يراكمون أموالهم فيها معاملة عدم الشعور بالمسؤولية، وموت الإحساس الإنساني..!

أعظم جامعات أميركا وأوروبا اليوم، وأكبر مستشفياتها بنيت بأموال وقفية من المقتدرين، وما زالت لعشرات السنين تمثل نموذج الريادة والتفوق والنجاح. ونحن الأمة التي اخترعت مفهوم «الوقف» وقدمت نماذج لمستشفيات ومدارس ودور ترجمة بأموال الوقف قبل أكثر من ألف عام، تتلفت في مدنها الكبرى ذات اليمين وذات الشمال لتجد مدرسة أو مستشفى او مكتبة يمولها رجل أعمال فلا تجد سوى الخيبة، ولا نشاهد سوى غياب الشعور بالمسؤولية.

بيل غيتس.. شكرا لقد أحرجتنا..!