دراما في المريخ!

TT

في يوم واحد وأنا أقرأ الصحف، أجد التعليقات التالية، (سواقو الحافلات يحتجون على مسلسل «أخواني وأخواتي»، لأنه يعرض بهم ويسخر منهم ويصورهم جهلة). والطريف أن الممثل يرد عليهم قائلا: «إحمدوا ربكم لم نقل كل ما يتعرض له الزبائن على يدكم في مدينة الرياض». الصفحة الفنية في إحدى الصحف المحلية تفرد صفحة كاملة احتجاجا على أن مسلسل «حور عين» يشوه صورة السعوديين لأن مخرجه غير السعودي لا يفهم خصوصية المجتمع السعودي، هذا غير الاحتجاجات السنوية على مسلسل «طاش ما طاش»، التي تحتج على المسلسل بأنه يسخر من اللهجات، لأن شخوصه يظهرون مرة من الشمال ومرة من الجنوب ومرة من نجد ومرة من الحجاز، ويحتج الحجازيون على شخصية «فؤاد الأحول» فهي تسخر من كل حجازي وتمثله بأنه أحول، رغم أن الممثل يوسف الجراح يلعب شخصية أخرى لحجازي ليس بأحول، لكنها لا تريد هذا الأحول «فؤاد» الذي يتكلم اللهجة الحجازية خوفا من الظن بأن كل الحجازيين «حولان»!

ردود الفعل هذه تذكرني بسنوات الجدب التي أحجم فيها أدباء المملكة العربية السعودية عن كتابة الرواية، وقد زعموا أن أول معوقاتهم هو كيف نكتب رواية من دون أمكنة صريحة ومن دون أسماء تشبه أسماءنا، من دون أن يضعوا أنفسهم في موضع حرج وربما خطر، ولم نصدقهم. قلنا إنهم كسالى ويبحثون عن حجج. حتى مثل القاص والكاتب المعروف عبد الله بن بخيت أمام القاضي في المحكمة، بتهمة التعريض باسم عائلة تشابه مع اسم شخصية في قصة كتبها اسمها «لا أحد سوانا في البيت». وانتهت القصة بإعلان اعتذار القاص عما فعل، رغم أن بعض الأسماء والأمكنة التي هي بالفعل أسماء حقيقية لكنها مع الوقت تتحول إلى أسماء تاريخية من الفولكلور والثقافة الشعبية.

تتبعت مرة عن غير قصد مني، وفي أسئلة شبه بريئة مع بعض من يحاجج باسم الخصوصية السعودية هذه، بسؤال عن ماذا تعني خصوصية سعودية فقالت سيدة: يعني أن مجتمعنا أمي، أي «جاهل». قالت لي أخرى أي أننا مجتمع يخاف التغيير ولا يرحب به، قالت سيدة أخرى إننا مجتمع يحرم نساءه من حقوقهن ليس بحجة الدين، ولكن بحجة العرف. وهكذا وجدت أن ما يختبئ تحت لفظ الخصوصية هو مجموعة من الأمراض الاجتماعية التي تلتحف مصطلحا برجوازيا مثل «خصوصية» ويمنح الدفاع عنها فخامة وجرأة و(قواية عين).

لكن الدراما السعودية التي بدأت منذ عقد وربما يزيد، لا تستطيع أن تذعن لمتطلبات الخصوصية هذه، خاصة إن كانت تحرم الممثل من حق أن يمثل دور مواطن بسيط «يكد على حافلة»، أو شاب حجازي حالفه سوء الحظ بأن كان أحول زيادة على طيبته وسلامة طويته، ولا يستطيع الممثل النجدي أن يضع لحية مثل كل رجال نجد، ويمثل شخصية رجل نصاب يشبه آلاف النصابين الذين يستغلون ثقة الملتحين ويسرق مالهم، ويهرب.

وإن كانت كل هذه المحظورات التي يحرسها النقاد الفنيون والكتاب المتكبدون الكتابة بعيدا عن التفهم والدراية فيتحول العمل الفني بالنسبة لهم إلى محاذير فقهية ومعايير اجتماعية وليس فنية، فمن أين ستستقي الدراما شخوصها، إلا بالبحث عنها في كوكب المريخ، فربما أن مجتمع المريخ لا يشتكي هو الآخر من أزمة الخصوصية.

[email protected]