أصدقاء السلطان

TT

في أوراق الكابتن البحري البريطاني هنري هارت وصف للسلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي الذي حكم سلطنة شاسعة ما بين 1807 ـ 1856 يقول فيه عنه انه رجل طويل القامة، قوي البنية مطبوع على حب الخير ويبدو انه يحب الانجليز.

ولم يكن ذلك السلطان، وهو الموازي العربي للملكة فيكتوريا التي حكمت مثله نصف قرن تقريباً يحب غير مصلحته، وهذه صفة جيدة في السياسي الذي يعرف ان العداوات زائلة والصداقات متحولة ولا يثبت في الميدان السياسي غير المصالح.

ولأنه جاء في وقت الصراع البريطاني ـ الفرنسي على الخليج فقد متّن علاقته بالطرفين، وحاول ان يكون صديقاً طيباً للجميع وبحث عن طرف ثالث يوازن به تلك السياسات المعقدة فكان اول حاكم عربي يوالي الأميركيين، ويتحالف معهم ويثبت لهم حسن نواياه بارسال اول باخرة عربية الى نيويورك في الثالث عشر من ابريل (نيسان) عام 1840 الذي كان يوماً مشهوداً في العلاقات العربية ـ الأميركية حيث وصلت فيه (سلطانة) سفينة السلطان الى أهم الموانئ الأميركية وعلى متنها المبعوث الدبلوماسي احمد بن نعمان الكعبي.

وهل هي صدفة قدرية ان تصل باخرة العلاقات تلك في يوم شؤم؟ فهناك من لا يتطيرون من الرقم 13 حين يقع في يوم جمعة، وهناك من يرونه نذير سوء، وعلامة شيطانية لم تخطر بالتأكيد على بال السلطان الذي كان سياسياً ذكياً بحيث لم يضع بيضه كله في السلة الأميركية حتى لا يصبح رهينة للأميركيين كما سيحصل مع غيره بعده، انما لعب باقتدار مع جميع القوى البحرية المتواجدة في الخليج والمحيط الهندي ـ آنذاك ـ الى ان جاءته الضربة من الجمعيات الدينية والأخلاقية، وليس من الأساطيل ووزارات الدفاع.

وباختصار فقد صرف ذلك السلطان البارع معظم حكمه في مقاومة الضغوط لايقاف تجارة العبيد التي كان يأتي دخل السلطنة منها، فقد كان له عدة وكلاء في زنجبار أشهرهم ياقوت بن عنبر، يقبضون جعالة عن كل رأس بشري يصعد الى السفن المغادرة في كل الاتجاهات وهي تحمل الرقيق الأفريقي.

وكانت بريطانيا قد اصدرت عام 1807 أي مع توليه للحكم قراراً بالغاء الرقيق ومحاربة تجارته وكان ذلك القرار بمثابة الرد الأخلاقي على الثورة الفرنسية التي لم تفعل شيئاً للعبيد في بدايتها كحليفتها الثورة الاميركية التي بالغت في شحنهم قبل ظهور التيار الأخلاقي وذلك لتلبية حاجة المزارع الأميركية، وهكذا كان على السلطان ان يدفع الثمن العالمي لثورات لم يشارك فيها، وبرلمانات لم ينتخبها ولم يكن هو وبطانته على الأقل يرون عيباً أخلاقياً في تجارة العبيد التي كانت عملاً روتينياً على مدار اكثر من ألف عام.

ولاحقاً سوف يأتي الحل المقترح من الداهية بالمرستون الذي كان الى جانب دبلوماسيته تاجراً شاطراً يجيد اختراع البدائل فكل الذي فعله انه اقترح تبديل «العملة» وكان العبيد يُدفعون في أسواق المقايضة مقابل السلع وهكذا جاء الاقتراح البالمرستوني على الشكل التالي: «اننا نريد بيع السلع التي نرسلها في افريقيا والأفارقة الذين يريدون الشراء سيدفعون بالطريقة التي نحددها، وعليه فان بامكاننا ان نرفض العبيد ونصر على دفع مستحقاتنا على شكل عاج فيلمة».

ومنذ ذلك الوقت افتدت فيلة أفريقيا رجالها لكن ذلك لم ينه مشاكل السلطان، فالموقع الاستراتيجي للبلاد التي كان يسيطر عليها «عمان وموزمبيق وزنجبار» نقاط جذب خطيرة قبل ظهور النفط، لذا كان عليه ان يواصل المشي على حبل مشدود في لعبة توازنات دولية سحقت الارادة السياسية للمنطقة ومهدت للاستعمارين المباشر، وغير المباشر، وحررت عبيد افريقيا لتستعبد غيرهم بطرق تختلف عن أساليب وكلاء السلطان.