أول اعتقال رئيس مطلوب دوليا

TT

كان فجر أول من أمس تاريخاً جديداً عندما اقتحمت القوات اليوغوسلافية منزل الرئيس السابق ميلوشيفيتش واقتادته إلى السجن المركزي. فهذه هي المرة الأولى التي نرى فيها القانون الدولي يوشك أن يأخذ بعدالة حقيقية مجراه بحق كبار المجرمين في العالم. ميلوشيفيتش كان مهندس جرائم البوسنة وكوسوفو.

كان يقال في الماضي إذا كنتم تعتقدون أن القبض على القيادة العراقية مسألة صعبة فإن الوصول إلى الزعيم الصربي أمر مستحيل، وكان هو نفسه يقول إلى يوم أول من أمس لن أغادر فيللتي إلاّ جثة هامدة، ولكن عندما وضع أمام الأمر الواقع وهجمت عليه القوات الحكومية استسلم صاغراً وخرج ذليلاً مقيد اليدين. لقد أثبتت هذه الحادثة وقبلها عندما هرب من قصر الرئاسة خشية الجمهور الغاضب وراء الأسوار ان كل هذا التعنت ليس إلا مسرحية تلفزيونية مظاهرها العناد لكن باطنها الخوف والذلة.

ولا ننسى أن الحرب نفسها كانت أعظم دليل على أن مثل هذه الرؤوس المتكبرة تسقط عندما تواجه بنفس السلاح الذي تستخدمه للبقاء. في حرب كوسوفو تعلم الأوروبيون درساً قاسياً فقد ركنوا إلى وعود المفاوضين من أجل استعطاف ميلوشيفيتش ليكون أقل عدوانية، حاولوا معه من أجل إيقاف حمام الدم العنصري ضد أهالي كوسوفو من دون المساس بصلاحياته أو الانتقاص من سلطاته في الإقليم، لكنه رفض مطالبهم بعناد ومكابرة اعتقاداً منه أن أحداً لن يجرؤ على إطلاق رصاصة في أوروبا التي قسمت دويلات بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وعندما ضربت دولته ظن أن النموذج العراقي سيكون صالحاً في يوغوسلافيا فرفض إيقاف الحرب إلا بشروطه، واستمر القصف ضد بنية بلاده من جسور وطرق ومحطات كهرباء وقواعد عسكرية وإدارات حكومية حتى رفع الراية البيضاء صاغراً. ظن أنه يستطيع الاستمرار حتى في ظل الحصار المفروض عليه، لكن الشعب ثار عليه ورفضت الدول المجاورة مساعدته حتى سقط في الانتخابات.

نحن الآن نشهد حدثاً تاريخياً لأن رئيس دولة مهمة مثل يوغوسلافيا لم ينج من العقاب ويجب ألا يفلت منه. وهنا يبدأ دورنا جميعاً كمجتمع نطالب بتطبيق القانون الدولي على كل من يمارس جرائم الحرب الكبرى ضد مواطنيه أو مواطني جيرانه. هذا القانون يصب في مصلحتنا جميعاً ولا يحمي فقط أهل كوسوفو أو غيرهم ممن يسكنون بعيداً عنا. ولعل ما قاله رئيس يوغوسلافيا الحالي في مقابلة له مع «الشرق الأوسط» ان على الدول العربية أن تعيد النظر في علاقاتها مع بلاده دعوة تستحق منا اليوم أن نلبيها. فهو أولاً الفائز في الانتخابات، وممثل الأغلبية اليوغوسلافية، وأكثر من حارب المجرم ميلوشيفيتش في شوارع بلغراد بالطناجر والحناجر، ورفض تهديدات الأمن وتخويف رجال النظام. ما أقدم عليه من اعتقال ميلوشيفيتش متحدياً القلة المؤيدة للرئيس السابق فيه شجاعة تستحق أن نكرم صاحبها ونحييه عليها. ان تأييدنا لملاحقته يفتح الطريق لملاحقة مجرمين أمثاله كشارون رئيس وزراء إسرائيل اليوم وغيره. انه يعطي لعناوين مثل المجتمع الدولي والقانون الدولي مصداقية تهابها الأنظمة الجائرة.