معلم ابن معلم ابن معلم

TT

مواصلة للنقاش الذي أثاره في هذا العمود المربي السعودي والمختص بالتربية خلال التحفيز، الاستاذ عبد الله أبو علامة، كتب لي الزميل نجدة فتحي صفوة، وكان مثلي معلماً ابن معلم، ليعلق على محنة المعلمين وتعاسة عيشهم، رغم المهمة الرفيعة التي يقومون بها. فروى كيف أن الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، الذي قضى سنوات عديدة في حياته في مهنة التعليم، وربما ساهمت في وفاته قبل أوانه رحمه الله، كان قد قرأ قصيدة شوقي التي استشهدت بها وذاعت شهرتها بيننا، لا سيما في مطلعها البليغ:

قم للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا فاغتاظ منها الشاعر الفلسطيني، وهو طبعاً أعلم من شوقي (الذي لم يشتغل معلماً) بمعاناة المعلمين وتعاسة حياتهم، فعارضه طوقان بقصيدة ظريفة قال فيها:

شوقي يقول وما درى بمصيبتي «قم للمعلم وفّه التبجيلا» اقعد فديتك هل يكون مبجلا مَن كان للنشء الجديد خليلا مضى زميلي أبو عايدة فروى لي هذه الحكاية التي سمعها من والده المعلم فتحي صفوة رحمه الله. ذكر له والده أن رجلاً ذهب في بغداد لأكل الأكلة العراقية الشعبية المعروفة بالباجه، وهي الكوارع والكرشة والرأس. طلب من صاحب المطعم أن يأتيه برأس خروف، نظر إليه فوجده بدون عينين، فسأل البائع عنهما، فقال له «هذا الخروف كان أعمى». همّ الزبون بأكل الجزء المفضل من الرأس وهو اللسان، فلم يجد له أثراً، فسأل عنه، فأجابه البائع «انه كان أخرس بدون لسان». حار المرء في ما يأكل، فقرر أن يتناول المخ، فتح الجمجمة فوجدها بدون مخ، عاد إلى مساءلة البائع، فأجابه «ان هذا الخروف كان معلماً للخرفان»!.

لا أدري إن كانت الفكرة في الحكاية هي أن تعلمنا بأن من ينخرط في مهنة التعليم يجب أن يكون شخصاً ما عنده عقل، أو أن بضع سنوات في التعليم تجعل المرء يفقد عقله. نصحني الزميل نجدة بأن أقرأ كتاب الجاحظ «دفتر المعلمين»، لأجد فيه كثيراً من الطرائف التي تصلح لهذا العمود. قلت له: لا يا أبا عايدة، عندي من الأعداء ما فيه الكفاية، ولا اعتقد أن أبا عثمان الجاحظ سينهض من قبره ويأتي لينقذني منهم. ورغم أنني قضيت ردحا من عمري في تدريس الفن، فلا اعتقد أنها كانت كافية لتفقدني كامل عقلي بحيث اورط نفسي معهم، خاصة أن معظم قرائي أجدهم بين المعلمين فينتقمون مني بضرب تلامذتهم، تماماً كما يفعلون في ضرب زوجاتهم كلما أخر الوزير ترقيتهم أو نقص رواتبهم.