مبارك في واشنطن.. زيارة مهمة في مرحلة حرجة

TT

يخوض الرئيس المصري حسني مبارك في مياه عكرة عندما يزور واشنطن هذا الاسبوع. فتصاعد العنف في الشرق الأوسط وانتخاب ارييل شارون عززا موقف الصقور الموالين لاسرائيل، وباتوا يتحركون على عدة جبهات لخلق المزيد من التعقيدات في العلاقات الاميركية ـ العربية المتوترة بالفعل.

ومصر هي هدف الكثير من هذه الجهود. فأنصار اسرائيل المتشددون يرون في مصر ـ الحليف العربي الرئيسي للولايات المتحدة ـ التحدي الاكبر لهم. ففي مؤتمر (AIPAC) وهو لوبي مناصر لاسرائيل، وفي مؤتمر صحافي عقد مؤخرا بدعم من منظمة اميركية يهودية وضم عددا من كبار اعضاء الكونغرس، وجهت الى اكبر الدول العربية سكانا عدة تحديات مباشرة. فقد اتهمت مصر بـ:

* تحريض عرفات على رفض السلام مع اسرائيل والمضي في طريق العنف.

* الفشل في وقف العنف بعد بدايته.

* نشر الافكار المعادية للسامية في وسائل الاعلام المصرية.

* وانتهاك معاهدتها مع اسرائيل بسحب السفير المصري من الدولة اليهودية.

ونتيجة لذلك، فإن عددا من اعضاء الكونغرس اعلنوا انهم على استعداد للاعتراض على طلب مصر بأن تحول الولايات المتحدة جزءا من مساعدتها الاقتصادية الى البرنامج العسكري المصري. بل ان هذه المجموعة من الاعضاء اشارت الى انها ستطالب بخفض المساعدات العسكرية لمصر.

الا ان مصر ليست بلا مدافعين سواء في الكونغرس او في الادارة. ولكن مع هذا الدعم فإن مصر ستواجه معركة سياسية خلال الاشهر القليلة المقبلة. كما ان دعم ادارة بوش لن يأتي بلا ثمن. فالادارة لم تخف رغبتها في الحصول على دعم عربي اكبر لسياستها العراقية الجديدة (التي لم تعلن بعد). والامر الذي يثير دهشة عدد من خبراء الشرق الاوسط هو ان الادارة تريد اعادة تشكيل التحالف العربي لاحتواء العراق، في الوقت الذي تصر فيه على سياسة «رفع اليد» في ما يتعلق بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني المستمر. ان مثل هذا الموقف يخلق قلقا حقيقيا بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة العرب الذين يريدون الاستمرار في دعم العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، ولكنهم لا يرغبون في القيام بذلك على حساب مصالحهم القومية.

ومما يزيد الضغوط على الرئيس المصري، توضيح الرئيس بوش في الاسبوع الماضي نيته في الضغط على الرئيس مبارك «لاقناع عرفات باتخاذ موقف ضد العنف بلغة يفهمها الفلسطينيون»، حسب قوله. ومما لاشك فيه ان تلك الكلمات من الرئيس بوش ستدعم موقف اعضاء الكونغرس لممارسة مزيد من الضغط على الرئيس مبارك. وفي محاولة للقضاء على بعض هذا التوتر ومنح الرئيس المصري الفرصة لاستعادة دور مصر التاريخي، قررت مجموعة من العرب واليهود الاميركيين استضافة مبارك في حفل غداء في واشنطن. وقد رتبت هذه المناسبة تحت عنوان «السعي للسلام... والترحيب بالرئيس حسني مبارك».

وبسبب الضغوط اليهودية القائمة، فحتى هذا الجهد اصبح مثار ضجة.

وكانت المجموعة التي تضم 44 من الشخصيات السياسية من الجاليتين العربية واليهودية الاميركيتين، قد اعلنت اقامة حفل الغداء من اجل منح الرئيس مبارك الفرصة لتقديم «افكاره حول مستقبل السلام في الشرق الاوسط». وكان من المفترض ان تكون مناسبة لطيفة كهذه اشارة ايجابية للتعاون بين الجاليتين حتى خلال الايام العصيبة الحالية، ولكن ردود الفعل من بعض القيادات اليهودية كادت ان تكون هستيرية.

فقد اعلن ماكوم هونلين نائب الرئيس التنفيذي لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الاساسية ان «ليس هذا الوقت المناسب لاقامة حفل غداء تكريما للرئيس مبارك. فإذا وضعنا في الاعتبار سحبه السفير المصري من اسرائيل، واستمرار العداوة واللهجة المعادية للسامية في الاعلام المصري، فإن اي تجمع لا يستخدم لتوضيح خطورة الوضع وتصرفات مصر هو موقف سيأتي بنتائج عكسية».

وقد انضم اليه ابراهام فوكسمان الذي اشار الى ان «هذه الدعوة تشير الى انها تهدف الى تكريمه والاستماع الى كلمته. فليفعل ذلك في القاهرة. لا اعتقد اننا نريد ذلك هنا في اميركا».

ومن المهم ملاحظة انه على الرغم من تلك الضغوط فإن العديد من القيادات اليهودية المعروفة التي شاركت في استضافة المناسبة لاتزال ملتزمة بالمشاركة.

اذ اعلن الحاخام اريك يوفي، احدى الشخصيات المستضيفة للمناسبة، ورئيس اتحاد الطوائف العبرانية الاميركية (اكبر الطوائف اليهودية في الولايات المتحدة)، ان «مبارك هو رئيس اكبر واهم واقوى دولة عربية وهي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع اسرائيل، وهو عامل مهم في تحقيق تقدم على الجبهة السياسية... واذا وضعنا ذلك في الاعتبار، فعدم استماع قيادات اليهود الاميركيين لما ينوي قوله يبدو بالنسبة لي سخيفا».

ومن المهم ملاحظة انه، ولاسباب مختلفة تماما، يتعرض عدد من العرب الاميركيين لضغوط ايضا. ففي الوقت الذي لا يوجد فيه اي تردد في تكريم الرئيس المصري ودعم الدور المصري في الشرق الأوسط، فإن بعض اعضاء الجالية العربية، ليسوا سعداء بأية جهود مشتركة عربية اميركية ويهودية اميركية في الوقت الراهن.

وفي مواجهة كل ذلك فمن المهم ان تستمر هذه المناسبة حاصلة على دعم منظميها والداعين لها، الذين يعترفون بدور مصر والحاجة للحوار واهمية السعي لحل سلمي لهذا الصراع المرعب. وفي ملحوظة تثير الضيق، اود ان اشير الى انه على الرغم من تعكر المياه في واشنطن بسبب الوضع الحالي في الشرق الأوسط، فقد كان من الممكن الا يكون الامر بذلك السوء لو تم اتخاذ بعض الاجراءات في وقت مبكر، قبل زيارة الرئيس مبارك.

ان المشكلة الاساسية التي تواجه العرب اليوم هي فشلهم في التعامل جديا مع الحاجة الى القيام بنشاط سياسي في الولايات المتحدة. ان الحملة المعادية لمصر ليست جديدة، فهي ترجع لعدة سنوات وقد تم تكثيفها في الشهور الاخيرة. ولكن في كل هذا الوقت لم تواجه رد فعل مستمر.

ومنذ بداية الانتفاضة الحالية، ارسلت اسرائيل العديد من المبعوثين للولايات المتحدة لعرض قضيتها ضد الفلسطينيين. ولم يكتف هؤلاء المبعوثون بمجرد عقد لقاءات خاصة في واشنطن، بل وجهوا احاديثهم الى المنابر السياسية العامة في الولايات المتحدة ووسائل الاعلام في المدن الاميركية الكبرى والصغرى، كما خصصوا وقتا لعرض آخر المعلومات على انصارهم.

وعندما تم انتخاب ارييل شارون رئيسا لوزراء اسرائيل وفد المبعوثون الاسرائيليون على مستوى عال الى الولايات المتحدة ليس فقط للالتقاء بالادارة الاميركية الجديدة، بل للتحدث في الندوات العامة عبر الولايات المتحدة والمساهمة في تشكيل الرأي العام من وجهة نظرهم للصراع الحالي.

وكانوا على علم بوجود فراغ في الحوار الاميركي الداخلي وعملوا على ملء هذا الفراغ بأفكارهم. وخلال كل ذلك الوقت لم تفعل اي دولة عربية اي شيء مماثل. ورغم وجود لقاءات خاصة في واشنطن الا انه لم تجر اي محاولات عامة لتشكيل الافكار والتأثير في المنهج العام.

ان القوانين السياسية الاساسية تشير الى انه عندما يقاتل طرف وحده يفوز. ولم يكن من المفروض ان يصل الرئيس مبارك الى واشنطن ليجد نفسه في مواجهة عدد من اعضاء الكونغرس المعادين ووسط نقاش عام شكل أطره طرف واحد. كان يجب ان تسبق زيارته، مثل زيارة شارون، جولات لعدد من المبعوثين المصريين الذين يمكن ان يواجهوا الهجمات على مصر ويقدموا بعض التحديات من جانبهم.

ولان ذلك لم يحدث، فإن الرئيس المصري سيضطر الى قضاء بعض من وقته يرد على النقاد وذلك سيبعده عن انجاز رسالته بايجابية، رغم الثقة الكبيرة بقدرته على النجاح. وما يجب تأكيده ان هذه الزوابع التي يثيرها مؤيدو اسرائيل لا تحجب أن مصر ورئيسها يتمتعان بمكانة في الولايات المتحدة لم ينجح اعداء مصر في القضاء عليها، ولكنهم تركوا بقعة في ثوب العلاقات بين البلدين وفي مفاهيم عدد من صانعي القرار السياسي.

ويمكن للرئيس مبارك الرد على بعض النقاد، ولكن يمكن لمصر القيام بدور اقوى في الولايات المتحدة. وللقيام بذلك يجب على مصر تطوير موقف ناشط وعدم السماح لاعدائها بوضعها دائما في موقع الدفاع.

* رئيس المعهد العربي ـ الأميركي