السياحة كمورد

TT

استغلال الإمكانات السياحية من المواضيع التي أشرت إليها مراراً، لكن الموضوع يتطلب فهماً ذكياً في المعالجة. لقد ذهبت موضة المناطق الجميلة والجبال المثيرة والشواطئ الحالمة، هذه كلها مما شغل اهتمام السلف، أصبح من العيب على الرجل أن يذكر أنه قضى عطلته على بلاجات الريفيرا أو بحيرة جنيف، لكل شيء موضة، والموضة السياحية في هذه الأيام تنصب على المناطق المهجورة والمتخلفة، هكذا جنى أحد الرواد الإنجليز ألوف الباوندات من تنظيم سياحات إلى المعامل العاطلة والمناجم المهجورة والمزابل الصناعية. وهذه فرصة رائعة لدول العالم الثالث، فلا شيء يميز هذه الدول أكثر من المزابل المنتشرة في كل مكان، يسمونها أحياناً على الخريطة بـ «الحدائق العامة». كل ما يحتاجه مواطنوها هو اقناع السياح الغربيين بكثافة مزابلهم وتنوعها وتوفرها في كل المدن، وما أسهل تحقيق ذلك في حملة ذكية تدعمها ملصقات زاهية الألوان تصور الحسناوات وملكات الجمال متشطحات بكل بهجة وسرور فوق هذه المزابل وتحت شعار، مثلا، «زوروا اثيوبيا، حيث تمتد الأزبال إلى الأفق». وتعطي شركات التأمين ضمانات للقادمين بتوفر الزبل لمدة لا تقل عن %99.99، من وقت إقامتهم.

كسب رائد انجليزي آخر مبالغ طائلة من مجرد عرض نفسه نائماً مصبوغاً باللون الذهبي، يدفع الناس ثمن تذاكر عالية لمجرد أن يتفرجوا عليه نائما. وهذه فرصة اخرى لاجتذاب السياح الغربيين. لماذا يتفرجون على رجل واحد نائم؟، هنا في عالمنا المتخلف يجدون شعباً بكامله مستغرقاً في النوم، حيثما سيذهب السائح الأجنبي سيجد أمامه أشخاصاً نائمين، في دائرة البريد، في محطة القطار، في مكتب الجمرك، في كل مكان.. وفي أكثر الأحيان سيجدون النيام عرايا أو نصف عرايا.

موضة الموسم الحالي في أوروبا الفساتين الممزقة والمقطعة والمشققة، انظر إليهن فأقول لنفسي يا سبحان الله، ويا خسارتنا!، بناتنا وأولادنا في الأرياف يمشون على الموضة منذ مئات السنين، ونحن لا نعرف، هذه ايضا امكانية سياحية جيدة، فلاحات على الموضة، تأتي البنت الأوروبية لعالمنا لتتفرج على بائعات اللبن يحملن أطباقاً منه على رؤوسهن ودشداشتهن مخزوقة على الموضة، قل مثل ذلك بالنسبة للقدمين، يأتي الأوروبي الى هذه الشواطئ الدافئة لينزع حذاءه ويمشي حافياً على الرمل، هل من ملصق سياحي أروع منظر بنت البلد، حافية القدمين، مشقوقة الثوب، حاسرة البطن من الجوع؟.. «هلمّوا لشواطئ كينيا، حيث يمشي الناس بدون حذاء، وينامون بدون أكل، ويشتغلون بدون أجرة!»..