الحفلات الحرام في موسم الزواج

TT

انتهى رمضان وجاء العيد وبدأ موسم حفلات الزواج، التي يسعدني دائماً الهروب منها، إلا إذا وقعت رغماً عني في فخها، مثل ذلك الحفل الذي حضرته بأحد فنادق القاهرة الكبرى. تقدم مني شاب طيب وسألني مباشرة: هل حضور مثل هذه الحفلات حرام؟.. بعد قليل بدأ المغني ذائع الصيت يدوي في المكان بواسطة السماعات الصارخة، وبدأت الحلقة الروتينية للشباب الراقص مع الإيقاعات المترنحة، اقتربت من الشاب الطيب وقلت مازحة: يا سلام الرقص هذا حلال بشكل!. وإلى هنا كان تصوري قد اكتفى ليرى معقولية تحرج البعض من حضور مثل هذا النمط من حفلات الزفاف باهظة التكاليف، والمسرفة في استخدام صيغة الرقص كوسيلة وحيدة للتعبير عن الابتهاج. ولكوني شبه منقطعة عن حضور هذه الحفلات، فوجئت بما لم أتوقع حين بدأت الراقصة الشهيرة «نمرتها». لقد مضت سنوات طويلة على مشاهدتي راقصات محترفات يرقصن في الأفراح، ربما كان ذلك منذ كنت طفلة وكانت أفراح الزواج تقام في المنازل في الردهات الواسعة أو فوق أسطح البيوت التي لا ترتفع أكثر من طابقين. كانت الراقصة تعتلي مائدة وترقص وتغني، وكان رقصها وصوتها يشعرانني بالبؤس والجزع والرغبة في البكاء، بين إحساسي بالشفقة عليها، والقرف وهي تمتهن بوضع النقود في صدرها أو ملتصقة فوق جبينها، حتى أتمنى لو توقفت الراقصة عن الرقص أو قرر أهلي ترك المكان. منذ ذلك الحين لا أتذكر أنني حضرت حفلا به راقصة حتى ظهرت راقصة الحفل، الذي وقعت في فخه، وهي مختلفة تماماً عن صورة تلك الراقصة المنسحقة صاحبة الصوت المشروخ تغني «خاين يا غزال خاين..»، من زمن طفولتي.

بذكائها الفطري عرفت الراقصة الشهيرة فرصتها لتستعرض إمكاناتها المتعددة، لاستقطاب إعجاب أصحاب النفوذ المالي والإعلامي. استولت الراقصة على الساحة وأصبحت المستضيفة للعروس والعريس، وأم العريس وأم العروس، والأب والأب الآخر، تأمر فتطاع، هذا يغني وهذا يتكلم، وهذا من هنا يسير، وهذا يقف ولا يتحرك، حاكمة بأمرها، طالت «نمرتها» حتى بدأت تقدم فقرة تصور لقطات من حياة «عالمة» أسطى من شارع محمد علي، معها صبيها يقدم لها الشيشة لتدخن وتقدم فكاهاتها الماجنة. قلت لنفسي أنا التي حشرت نفسي في غير مكاني. ظللت هكذا أعزي نفسي حتى بدأ الصبي يدخل في طقوس البخور لحماية الراقصة من الحسد، وضع المبخرة على الأرض لتمر عليها «العالمة» العارية وهي تمضغ في تهتك كلمات التسابيح الطاهرة: «الأولة بسم الله، والثانية بسم الله.. حتى السابعة بسم الله، رقيتك رقوة محمد بن عبد الله، وحصوة في عين اللي شافك وما صلاش على النبي!».

لهذا الحد وصلت الاستهانة بذكر الله والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكأن هؤلاء الأراذل قد حسبوا أن تلك الصيغ المقدسة «فولكلوراً»، بعد أن اعتادوا لوحات رقص الموالد والجميع يهتز بخلاعة على إيقاع: «الله.. الله.. الله»، عز وجل!.

الراقصة بالطبع لا تعرف آيات تحريم الخوض في المقدسات التي تم ذكرها في سورة النساء آية 140، وسورة الأنعام آية 68، ولا تعرف أنه لا يجوز لها رفع صوتها بنداء «الله أكبر» في مجال العبث والاستهتار، خاصة أن الممثل الكوميدي عادل إمام كان قد استباح منذ زمن أجمل مقولة نطقها المسلمون وهم تحت وطأة التعذيب: «أحدٌ.. أحد..»، قالها بلال مؤذن الرسول، رضي الله عنه، مستغيثاً بها وثابتاً عليها، لكن الممثل وجدها محكاً للمزاح يقولها في غير موضعها فيضحك الناس.

تلفتُّ حولي أبحث عن مخرج للانسحاب، بأضعف الإيمان، بعد أن اغتمت نفسي وشعرت بفداحة الخطأ الذي ارتكبته بحضوري الحفل، وعرفت الإجابة عن السؤال: هل حضور مثل هذه الأفراح حرام؟.. نعم حرام وألف حرام على كل وجه ولأكثر من سبب.

الإسلام بهجة، وفرح، واغتباط، واحتفال، لكن بالقطع ليس هكذا أبداً، بهذا السفه والإسراف والاستدراج إلى ذكر اسم الله، سبحانه وتعالى، والصلاة على النبي، في سياق اللهو والخلاعة والمجون، «وقلة القيمة»!.