إنسانية

TT

منذ فترة اتخذت السعودية لنفسها شعارا مهما ترمز فيه لمرحلة جديدة من الفكـــر السياسي. مرحلة أهم ملامحها تظهر في الانفتاح على العالم والتعاون مع مؤسساته, وكان لافتا في كلمة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة التي وجهها للعالم بمناسبة حلول عيد الفطر، استخدامه لفظ الاخوة في الانسانية ليأتي مرة أخرى مذكرا بالنهج الجديد للبلاد، وهذه المفردات تصب تماما في صميم المفهوم الاسلامي الأساسي، وهو أن أساس رسالة نبي الاسلام صلى الله عليه وسلم كانت هدى ورحمة للعالمين، أي لسائر الأمم والتي خلقت كقبائل وشعوب لتتعارف وهم جميعا كرموا كبني آدم.

كل هذه القيم المهمة هي في صميم مفاهيم الدين الاسلامي، وتكوّن أساسيات الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المسلم والتي بعث لأجلها نبي الرحمة ليتمم مكارم الاخلاق. ولذلك يبدو مضحكا وساذجا اعتراض البعض على مسمى ولفظ «اخوة في الانسانية» واعتباره خروجا عن العقيدة. العقيدة تلك الكلمة الغريبة والتي تستخدم كسيف يسلط على رقاب الناس للتشكيك في ايمانهم، وبالتالي احداث فتنة وأزمات لا حدود لها، علما بأن لفظ «العقيدة» هذا لم يأت ذكره في القرآن الكريم أو الاحاديث النبوية أو على لسان الخلفاء الراشدين ولا الصحابة ولا التابعين ولا أئمة الفقه الاربعة. والكلمة الوحيدة التي كانت تستخدم هي الايمان (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، أما العقيدة فهي كلمة غريبة.

نعم هناك أخوة في الانسانية بل هناك أخوة في الخلق، أولم يشر الى ذلك رسول الهدى بتوصيته لنا بالنخلة لأنها عمتنا؟ وأوصانا بجبل أحد وقال انه يحبنا ونحبه؟ ولكن عدم اقرار ذلك هو مفهوم غريب تعمى به القلوب! حقا إنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. الخطاب السعودي الجديد يأتي انعكاسا طبيعيا لبلد يتوجه نحوه بليون ونصف البليون مسلم يوميا وينتظرون منه خطابا تسامحيا عقلانيا عصريا يساعد على دحض المفاهيم الخاطئة التي زاد انتشارها وكثر الاعتقاد بها، حتى بات في اعتقاد الكثيرين ان هذا جزء لا يتجزأ من الدين نفسه. هناك مظاهر كثيرة لخطابات الخير وأفعال الخير والتي تصب جميعها في صميم العمل الانساني، كما أن هناك مظاهر كثيرة لخطابات الشر وأفعال الشر والتي تصب كلها أيضا في قلب الشيطان وهذا صراع طويل لن ينتهي، ولكن المطلوب حتما ابراز عناصر الخير والعمل على تزكيتها باستمرار، وفضح عناصر الشر والعمل على حد فعاليتها. «مملكة الانسانية» هو الشعار الذي اختارته السعودية ليعبر عن توجهها وأولوياتها في العمل الخيري الانساني في المجالات الاغاثية والاجتماعية والطبية وغيرها، وهي بذلك تلبي صميم رسالة الاسلام. دين يدخل الجنة من كانت امرأة سيئة وصاحبة حياة مليئة بالمحرمات، لأنها سقت كلبا قبل موتها، هو نفسه الذي يحث على الخير بكل اشكاله. وشتان بين من ينادي بتطبيق الاسلام بالخلق الكريم والمعاني النبيلة، وبين من ينتمي اليه ليغطي جهله وحقده وضلاله. والله يعلم وأنتم لا تعلمون.