لماذا يستهدف الأردن ..

TT

لست بصدد الإسهاب في شرح منهجية النظام السياسي للمملكة الأردنية الهاشمية، فهي معروفة للقاصي والداني منذ تشكيل الإمارة، مروراً بالاستقلال ونكبة فلسطين (1948)، والوحدة مع الضفة الغربية، فانفصالها بعد حــرب حزيران 1967، الى فك الارتباط القانوني والإداري معها (1988)، فعملية السلام (مدريد) الى يومنا هذا.

هذه المنهجية تتجسد في الدستور الأردني عام 1952 وتعديلاته، والذي جاء حصيلة نضال أردني يستند الى مبادئ الثورة العربية الكبرى. هذا الدستور، المطبق بحذافيره، جعل من الأردن دولة ديمقراطية ودولة قانون تنهج مبدأ الوسطية والاعتدال، وتجنح للسلام العادل وحل النـزاعات بالطرق السلمية، (وإن كان لم يتخل عن حرب عربية ـ إسرائيلية مفروضة) وأكثر من ذلك، فقد نهج أيضاً المنهج الحضاري في التعامل مع الإنسان وحقوقه، والمرأة وحقوقها، وأخذ بمبدأ الملكية الفردية وعوامل السوق والقطاع الخاص في فلسفته الاقتصادية.

ومنذ إطلالة الانقلابات العسكرية في المشرق العربي، وانحياز هذا المشرق مع المعسكر الاشتراكي، حافظ الأردن على نظام حكمه ودستوره وعلاقاته العربية والدولية، غرباً وشرقاً.. فحافظ، والحالة هذه، على مكانة مرموقة ومصداقية عالية في المحافل الإقليمية والدولية أهلته لأدوار إقليمية سياسية ووضعته في مصاف الدول العربية العاملة المؤثرة في الشرق العربي، بالرغم من صغره الجغرافي وشح موارده. ومن هنا بدأت المشكلة مع بعض الأنظمة العربية ومع بعض أدواتها التي تسخر لخدمتها.

هذا النموذج المستمر بنسق تاريخي أرَّق البعض من جيران الأردن لأن الحرية (النسبية) والديمقراطية وحقوق الإنسان معدية تنتقل الى الشعوب لأنها الطموح الذي تسعى إليه هذه الشعوب.

هناك من يريد أن يبقى الأردن في بوتقته الصغيرة الضيقة وأن لا يكبر. بمعنى أنهم يريدون الأردن أن يبقى حاجزاً بينهم وبين إسرائيل، ولكن في هذا الدور فقط من دون أي دور إقليمي مؤثر.

وهناك من حاول أن يحل القضية الفلسطينية على حساب الكيان الأردني، كما حدث في عام 1970، تحت مسمى الوطن البديل، وهناك من لا يزال يحاول خلط الأوراق الأردنية الفلسطينية تحت مسمى الكنفدرالية لإقامة الوطن البديل باللجوء الى اللاتوازن الديمغرافي بدلاً من البندقية، على اعتبار أن إسرائيل لن تسمح بقيام دولة فلسطينية على كامل التراب في الضفة الغربية وغزة وتكون قادرة على الحياة.

وهناك من يريد أن يوهم الآخرين بأن الأردن الحلقة الأضعف في المنطقة، وبالتالي يمكن أن يعتبر ساحة مستباحة للسلاح والإرهاب والقواعد..الخ .

وهناك من يكره فكرة الاستقرار الأمني في منطقة تغلي بالهيجان، وبالتالي تحاسبهم شعوبهم على استمرار هذا النموذج الآمن والمؤطر بالدستور والقانون والديمقراطية والتسامح.

وهناك وهناك وتطول القائمة. ولكن المؤسف أن من يستهدف الأردن يتذرع بحجج واهية عفّى عليها الزمن وأيقنتها الشعوب.. كحجة أن الأردن ضيعة الاستعمار البريطاني، أو أنه القاعدة المتقدمة للإمبريالية الأميركية، أو أنه عقد معاهدة سلام مع إسرائيل. كلها تبريرات معلنة لتغليف الاستهداف بقالب وطني قومي.. وحقيقة الأمر أن المستهدف هو النموذج الأردني الذي يبدو لهم كجسم غريب، في منطقة لم تعرف بعد معنى الديمقراطية والحرية بأشكالها المختلفة والأمن والاستقرار.

* رئيس وزراء الأردن الأسبق