طاش.. وقرقيعان.. والحور..!

TT

ثلاثة أعمال رمضانية عرضها تلفزيون الشرق الأوسط MBC المتميز، الأول طاش ما طاش السعودي الذي أثار ضحكا وجدلا وأرسل رسائل توعوية تنوعت من خطر التفحيط والتشفيط، وحتى انتقاد فكر الجمود والتحنيط، بالطبع لم يسلم هذا المسلسل من خروجه قبل أكثر من عقد من الزمان، وكان معظم النقد ـ ولا يزال ـ منصبا من قبل قوى التطرف والمتطرفين في السعودية وخارجها.

ولكن المتابع لمسلسل «طاش ما طاش» يمكنه أن يلحظ التغير في هامش الحرية الذي شهدته المملكة ولا تزال من حرية للنقد، كانت الحلقات الأولى للمسلسل تداري الرقابة في طرح المواضيع، ولكن تطور النقد ليشمل كافة المؤسسات والأجهزة الحكومية بما في ذلك الأمنية منها، وتطور النقد أكثر في حلقات طاش 13 التي عرضت خلال رمضان المنصرم، لتطال «الفكر الجامد»، والمتاجرة والاتجار السياسي باسم الدين الحنيف.

في حلقات قرقيعان، خرجت كلمة من الممثل راشد العقروقة «ولد الديرة»، اعتبرتها فئة اجتماعية إهانة لها، فقام مئات الشبان بالتوجه إلى مبنى قناة الرأي الكويتية التي تعرض المسلسل قبل الـ MBC بدقائق، وحطموا واجهة المبنى، وقيل إن بعض العاملين في المحطة تعرضوا للاعتداء الجسدي، وتدخلت قوات الأمن واعتقلت عشرات الشبان ولا يزال التحقيق جاريا حول هذه القضية، ولكنها أثارت تساؤلات حول مدى الإيمان بدولة القانون في مقابل دولة القبيلة أو الطائفة أو الفئة التي «تاخذ حقها بيدها»، ولا تلجأ للقانون حين تشعر بظلم حاق بها.

أما مسلسل الحور العين، الذي أنتجته الـ MBC بالاشتراك مع مجموعة من الفنانين العرب والخليجيين، فقد لاقى نجاحا جماهيريا كبيرا، ذلك لأنه يتطرق لقضية الدين السياسي ويحاول سبر غور المتطرف، وكيفية انزلاقه إلى منحدر التكفير ومن ثم استعداده لارتكاب الإرهاب ترجمة لمعتقده، ولم يسلم المسلسل من نقد بناء ناقش الجوانب الفنية البحتة دون التعرض لأخلاق ممثلي المسلسل ومنتجيه، حيث قامت ضجة في المملكة ضد مسلسل «الحور العين»، وهذا بحد ذاته حسن، فالعمل الفني الذي لا يحدث ردود فعل، ليس بناجح، والأعمال الفاشلة هي التي لا يكون لها أي ردة فعل لدى الناس نتيجة ابتعادهم عن متابعتها، ولكن الأمر تجاوز النقد الفني، ودخل في الفتاوى والتكفير، فقد نشر أحد رجال الدين كتابا بعنوان «منازل الحور العين للعارفين برب العالمين»، ووصل حد هجومه الحاد أن نعت القائمين على المسلسل «بالفجرة»، وسرت مخاوف من تعرض المشاركين في المسلسل لاعتداءات بدنية نتيجة مثل هذه الآراء الدينية المتشددة نحو عمل فني بحت، له ما له وعليه ما عليه.

فالممثل السعودي «مشعل المطيري» تحدث عن تعرضه لتهديدات من قبل مجهولين بعد هجوم مكثف في المنتديات والساحات الإنترنتية، وعلى الجميع ألا يهمل مثل هذه التهديدات، فلا ننسى أن مقتل المخرج الهولندي فان كوخ قبل عامين على يد شاب مغربي مهاجر جاء بعد غسل دماغ هذا الشاب بأن الفيلم الذي أخرجه المخرج الهولندي هو هجوم على الإسلام، فكان أن حمل الشاب سكينا ومسدسا أردى به المخرج قتيلا وذبحه جهارا نهارا في أحد الشوارع المكتظة في أمستردام.

الأعمال الفنية والكتب والثقافة والشعر والمسرح والسينما، هي العدو الأول لفكر التشدد والإرهاب، وهي محرك أساس للضمائر والعقول، وهي لبنة مهمة في بناء الشعوب وتوجيهها، وردود أفعال التطرف دوما واحدة، أيا كان هذا التطرف، ويكفي أن نسوق مثالا لردود فعل الكنائس في الشرق والغرب لكتاب «شيفرة دافينشي»، لنعرف أن التطرف والجمود يتخندق في النهاية في خندق واحد، وأن الفن والفنانين، جنود لتحريك الفكر الراكد للتطرف والتحنيط الذهني.