ومن التعليم.. ما قتل

TT

مع قرب نهاية شهر رمضان انتشر في السعودية من خلال خدمة «البلوتوث» مقطع مصور لمعلم مدرسي يقوم بضرب طالب لم يتجاوز العاشرة بسلك كهربائي. المقطع مؤلم وقاسٍ، خصوصاً مع توسلات وبكاء الطفل لمعلمه ومربيه الافتراضي.

الصحف المحلية رغم تناولها المقطع الآنف الذكر من أكثر من زاوية، فشلت في جعله قضية رأي عام، كما حدث مع مقطع شارع النهضة في الرياض على سبيل المثال، والقصة مشهورة.

السؤال الذي يستحق التوقف.. لماذا خبت قضية المعلم وتعامله البشع مع هذا الطفل، بينما لم تمر صور أخرى لتجاوزات التقطتها ذات العدسة وتناقلتها ذات الأيدي؟

الجواب في تصريح المعلم لإحدى الصحف عندما رد والثقة تملأ كلماته بأن «الموقف تمت معالجته منذ مدة مع والد الطفل، وتمت تسويته ودياً .. ضربي له بتلك القسوة كان حرصاً على مصلحته، وتعديل سلوكه».

والحال أن تصريح المعلم كان من الممكن أن يفهم لو أنه اعتدى على الطفل بتلك الطريقة غير الإنسانية في احد الشوارع، ولكن المدرسة حرم تعليمي له ضوابطه وقوانينه التربوية والتعليمية التي يجب التقيد بها، إلزاماً وليس شهامة، والخارج عن هذه القوانين يجب أن يحاسب.

غير أن الجانب الآخر اللافت في تصريح المعلم هو موقف ولي الأمر الذي قبل التسوية الودية. الأكيد أن موقف الأب متسق مع الثقافة الاجتماعية السائدة التي تتناقل بفخر في مثل هذه المواقف عبارات من نوع «لك اللحم ولنا العظم». ومعاملة الابن وكأنه ذبيحة لا ينقصها إلا التعليق من أطرافها.

يقول علاء باريان، 11عاماً: «ضربني معلمي أكثر من مرة وعندما كنت أخبر والدي، كان يقول لي: لو أنك لم تخطئ لما تجرأ على ضربك». ويضيف علاء «لا أعتقد أنني شقيٌ الى حد أن أصفع على وجهي. لو أخبرني المعلم أن ألتزم الهدوء لالتزمته بلا جدال».

اذا كان مسؤولو التربية والتعليم يعتقدون أن هذا المعلم حالة شاذة فهم مخطئون. وليس أدل على ذلك سوى حالات العنف المضاد التي تظهر من قبل الطلاب كل عام وفي مختلف مناطق المملكة، وتبلغ في بعضها رغبة الانتقام من قبل بعض الطلاب إلى حد لجوء قلة إلى تصويب المعلم أو مدير المدرسة بعيار ناري، كما حدث العام قبل الماضي، مما استدعى وزارة التعليم إلى إصدار قرار منذ ثلاث سنوات يتيح للكادر التعليمي فصل الطالب، أو تحويله الى الجهات الأمنية في أقسام الشرطة في حالة موافقة مدير التعليم.

قبل مدة حدثني صديق ذهب لإكمال دراسته في أميركا ومعه ابنه البالغ من العمر ثماني سنوات وألحقه بالمدرسة هناك. وبعد فترة تم استدعاؤه لمقابلة معلمة الصف.

مسؤولة الصف استدعت الوالد ليس لتحصل على تأكيد بأن «لها اللحم وله العظم» وتبدأ في السلخ. ولكن لتوضح له قيام ابنه بسلوك طفولي غير سوي تجاه ثلاث من زميلاته في الصف. ولشرح حالة ابنه النفسية، والأسلوب الذي يجب أن يتم اتباعه لتحسين سلوكه. وأول هذه القرارات طلب حضور اختصاصي نفسي من الجامعة للجلوس معه لمدة ساعة يومياً.

وأُوهِم الطفل أنه مجرد صديق لا أكثر. فضلاً عن القيام ببحث والإنفاق عليه لفهم سلوك الأطفال في هذه المرحلة ورصد التفاوت في ما بينهم. بعد عام من العلاج التربوي انتهى الطفل الى كونه أحد المتفوقين في الصف الذين يملكون قدرات ذهنية عالية تقترب من العبقرية التي كانت تنتظر الطريقة المناسبة لإخراجها. هل يكفي هذا المثال لبيان مدى تخلف وسائلنا التربوية؟

التعليم في مدارسنا موبوء للأسف. موبوء بمعلمين من خريجي كليات الزراعة والمحاسبة، وبمن لم يجدوا غير مهنة التدريس مصدراً للرزق. وموبوء بمرشدي طلاب تم اختيارهم لمحسوبيات ليست لها علاقة بالتربية. وموبوء بتعامل سادي أحيانا من معلم يعاني أمراضاً نفسية.. ليكمل المسيرة التعليمية.

سؤال أخير: لماذا أحيلت قضية المعلم الذي اتهم بالعلمانية قبل عامين الى الجهات المختصة وحوكم قضائياً بتلك السرعة، بينما يجيب مسؤولون في الادراة عن الاستفسارات الصحافية حول قضية هذا المعلم السادي، بعدم اطلاعهم بعد على ملف الحادثة كاملاً؟ أسأل ولا أنتظر الإجابة.

[email protected]

* مقال يتناول آراء الشباب حول قضايا الساعة