... عوامل داخلية .. ومسؤولية أميركية !

TT

سواء كانت قاعدة الزرقاوي هي المسؤولة عن تفجيرات الفنادق الأردنية الأخيرة أو لا ، وسواء كان للزرقاوي وجود حقيقي أو انه اسطورة خرافية جعلته البعبع الذي يوجد في كل مكان وفي آن واحد في شمال العراق وجنوبه وشرقه وغربه، بل لتمتد يده الطويلة المرعبة لتصل إلى بلده الأردن، هذه المسؤولية الزرقاوية وقاعدته اثارتا جدلا في إعلامنا العربي لم يكن في نظري جوهريا في تحليله لاحداث الأردن الأخيرة. من وجهة نظري فإن الأهم في التفجيرات الأردنية أنها أثبتت أن السياسة الأميركية الخرقاء هي ـ من ضمن عوامل اخرى ـ قد خلقت أجواء متوترة في المنطقة، منذ غزوها لأفغانستان واحتلالها للعراق، وأتاحت للإرهابيين أن يمارسوا هوايتهم في القتل والدمار وهدفهم المعلن هو الأميركيين او من يقف وراءهم ممن يظنونه يمدهم بالتسهيلات العسكرية أو المعلوماتية، ولهذا لا توجد مقارنة عددية بين الهجمات الإرهابية في دول الشرق الأوسط قبل غزو أميركا لأفغانستان واحتلالها للعراق وبعدهما.

أما إرهابيو الأحداث الأردنية، وأقرانهم في الدول الأخرى، فلديهم مخزون هائل ليس من المتفجرات واسلحة الفتك فحسب، وإنما مخزون من التبريرات التي دوما ما تصطبغ بالدين وقواعد الشرع التي وضعوها في الوقت الخطأ والمكان الخطأ والهدف الخطأ، لكنهم وبسبب الغطرسة الأميركية في المنطقة وفشل أكثر الأنظمة العربية في تقديم خطوات إصلاحية حقيقية وجوهرية، وجدوا في الشباب العربي المحبط قلوبا خاوية فتمكنوا منها، إن ما حدث في الأردن مرشح لأن يقع في أي بلد عربي وإسلامي بدون استثناء، ومخزون المبررات لدى الإرهابيين من الكم والكيف ما يمكن ان يبرر العنف ولو في أقدس الأماكن وضد أصلح البشر.

كما يساهم بعض المثقفين العرب في توسيع دائرة الإرهاب والتطرف بقسوة التعميم على كل التيارات الإسلامية الرسمية والشعبية في تحميلها مسؤولية تغذية الإرهاب والتطرف والسخرية بتنديدها للارهاب، والتهكم من صدقية معالجتها للتطرف مع ان العكس هو الصحيح، فليس ثمة أقدر على معالجة الجوانب الفكرية للإرهاب والتطرف من العلماء الشرعيين والمفكرين والدعاة، فهم أدرى بالمسالك الوعرة للإرهاب ودوافعه ومبرراته، والأقدر على التخاطب باللغة المفهومة مع الذين انضموا إلى سلك الإرهاب والعنف بحسن نية وتبريرات تعششت في أذهانهم بعد سنين من عمليات غسل الدماغ التي برع فيها الإرهابيون وأبدعوا في الاستفادة من تقنيات الكومبيوتر وكذا الإنترنت، وهو الأداة الأكثر خطورة والأصعب على المكافحة. وقد أصاب الليبراليةَ العربية شيء من التشنج في النظرة للتطرف، فاكتسحت في طريق معالجتها للإرهاب مسلمات شرعية ومارست ـ خاصة في الفضائيات التي تحكم السيطرة عليها ـ قدرا من اللا مسؤولية في عرض مواد فكرية واخلاقية فيها مناكفة صريحة لتعليمات الإسلام وقيمه بل ولتقاليد المجتمع العربي المحافظ.

كما أن هناك فريقا يصب الزيت في نار الإرهاب الذي حدث أخيرا في الأردن وغير الأردن، هذا الفريق يمارس هواية خلق المبررات وصنع المسوغات للإرهابيين، ويشغل الناس عن تجريم الإرهاب بالبحث عن مسوغات ومبررات لا تُقبل شرعا ولا عُرفا ولا عقلا، ولو أن أحد أولاده أو أقربائه قتل في أحد فنادق الأردن المستهدفة، أو كان من زوار أحد المجمعات السكنية التي فجروها في الرياض، أو كان مستجما في شرم الشيخ أثناء الهجمة الإرهابية الأخيرة، لما نطق لسانه بتبرير واحد.

تفجيرات الأردن وغير الأردن ما لبثت تفجر دمامل وأزمات في طرق التفكير والمعالجة، وستظل المنطقة تتخبط في نفس المستنقع حتى توضع نقاط الإرهاب على الحروف الحقيقية، ومع وجود العوامل الداخلية التي تغذي الإرهاب، إلا أن أميركا ستظل توفر بسياستها المتشنجة غطاء سيتدثر به المتطرفون سنين طويلة لتبرير هجماتهم وعنفهم وتخريبهم.

[email protected]