ثم تفوَّه

TT

قاد المهاتما غاندي اكبر الحركات الاستقلالية في التاريخ. وكان عدد سكان الهند عندما تحررت من الحكم البريطاني حوالي 300 مليون بشري يتحدثون عدداً من اللهجات واللغات ويسكنون أرضا مترامية طالما استهوت الفاتحين والحالمين. وقد بلغها الإسكندر المقدوني، أما الملاَّح الغبي كريستوفر كولومبوس فقد اعدّ باخرة كاملة وركب البحر يطلبها، فإذا به ينتهي في «العالم الجديد» وأميركا. ونكاية في فشله سمى أهلها «الهنود الحمر». وترك للرجل الأبيض أن يبيدهم بالرصاص لأنهم حاولوا منعه من سرقة أراضيهم، بالقوس والنشاب.

لقد أعجبت بالتجربة الهندية منذ سنوات عديدة. وكنت احلم وأتمنى أن امضي فيها وقتاً اطلب فيه العلم والمعرفة كما فعل غيري، ولست اعتقد أن في إمكاني أن أخوض هذه التجربة الآن. وآخر مرة حلمت بالسفر إلى الهند كانت أوائل الثمانينات، عندما حدثني عنها الشيخ ناصر صباح الأحمد. وكان عائدا لتوه من غوا ومفتونا ببساطة الحياة فيها. وبعد سنوات كنت في سيارة تاكسي في لندن، فأخبرني السائق أن هذا هو الشهر الأخير له في العمل، وانه ذاهب إلى غوا للتقاعد! وغبطته.

سافرت مرة واحدة إلى الهند في الستينات. وكان بي من الشباب ما يساعدني على تحمل منظر الفقر في الشوارع. وفي كل مكان. وفي كل الساعات. ومشهد الأيدي الصغيرة الممتدة أبدا، ووجوه النساء الحزينة، وعالم الأرصفة، حيث تولد الناس وتموت. وكنت أعود إلى الفندق ومعي هذه المشاهد والروائح والعيون الحزينة والأطفال الذين يعرضون عليك سجائر الحشيش عند الزوايا.

لا اعتقد أن في إمكاني أن أتحمل هذه المشاهد في هذا العمر، مهما كان الفندق مريحا. ثم إنني لا أحب الطعام الهندي. ولا الغناء الهندي الذي يبدو كأنه أغنية واحدة لم تتغير منذ «مانغالا ابنة الهند». لكنني اقدِّر تجربة الهند مع غاندي ومع نهرو وتطورها الحالي المذهل. وقد ذكرت غير مرة أنني أعود دائماً إلى كتابات نهرو وغاندي. وفوجئت حقاً عندما قرأت في مذكرات المهاتما انه لم يكن يجرؤ على الخطابة. ولم يكن يتحدث إذا زاد عدد الحضور عن ستة. وفي النهاية قرر انه من اجل أن ينتصر شعبه عليه أن يخاطبه. بمئات الألوف. ولو لم يفعل لبقي رئيساً لجمعية النباتيين في لندن يكتب الخطب ولا يستطيع أن يقرأها على أعضاء الجمعية.