لنبكِ حظ قتلانا

TT

احتفلت بريطانيا قبل بضعة أيام بذكرى نهاية الحرب العظمى بما يسمونه «صلاة الذكرى» يتذكرون من قتلوا ومن ابدعوا ومن انتصروا في الحربين العالميتين من ابنائهم. تغص وسائل الاعلام بكل ذلك. جلست امام التلفاز اسمع واشاهد كل هذا ثم سرح بي الفكر فتساءلت، ما الذي احتفل به أنا او اتذكره باعتزاز وخشوع امام كل الحروب التي خضناها في جيلنا هذا؟ ما الذي اعتز به من انتصارات الجيش العراقي؟ سرحت بي الذكرى فلم استطع غير ان اتذكر كلمات ميخائيل نعيمة:

اخي ان ضج بعد الحرب غربي باعماله

وقدس ذكر من ماتوا وعظم بطش ابطاله

فلا تهزج لمن سادوا ولا تشمت بمن دانا

بل اركع خاشعا مثلي لنبكي حظ قتلانا

منذ ولدت وحتى الآن، لا اتذكر واقعة واحدة سجلت للجيش العراقي يمكنني ان أعتز بها. ما الذي افخر به؟ حملة الانفال؟ قصف حلبجة؟ غزو الكويت؟ حرب إيران؟ مهزلة ايار 1941؟ مذبحة الدجيل، نكسة 1948؟ وكل ذلك رغم كل الأموال التي انفقت عليه والضحايا التي سجلت في دفاتره والجهود التي بذلت من اجله والانقلابات التي جرت على يديه.

نوفمبر من كل عام، هو شهر الذكريات للدول الغربية يتذكرون فيه قتلاهم وابطالهم ويترحمون عليهم ويحملون اوراد الخشخاش الحمراء التذكارية على صدورهم، يزورون الاحياء منهم ويستمعون الى ذكرياتهم وافكارهم. كان منهم هذا العام رجل بلغ 109 أعوام شارك في الحربين العالميتين الأولى والثانية وفقد ابنه في الحرب الثانية. سألوه عن رأيه فيهما؟ فقال انه يشعر بالخزي والعيب من موقف رجال الدين من كلا الطرفين. لم يرفعوا اصواتهم بما تعلموه من رسالة السلام للسيد المسيح عليه السلام ونددوا بالحرب.

هذا في الواقع ما شعرت به وانا طفل صغير اسمع عن الاساقفة الالمان يباركون هتلر وحربه العادلة والاساقفة الانجليز يباركون شرشل وعدالة حربه. كأنا بهم يجعلون السيد المسيح يتكلم بلغتين، تماماً مثل اكثر صحافيينا! الاسقف الالماني يحث الجندي الالماني على قتل الانجليز باسم المسيح والاسقف البريطاني يحث الانجليز على قتل الالمان باسم المسيح.

ولكن هذا الكلام الذي قاله هذا المحارب القديم بعد 109 بحق اعوام من خبرة الحياة، ينطبق بنفس المصداقية بحق بعض رجال الدين عندنا ممن لم يفتحوا فمهم بكلمة ضد الارهابيين والانتحاريين بل وكان منهم من باركوا على عملياتهم واعتبروها جهاداً في سبيل الله والاسلام. ما حدث لرسالة رجال الدين في الغرب سيحدث لا محالة لامثالهم ممن عندنا.