الرسالة

TT

في اليوم الثاني لمقتل المخرج العربي مصطفى العقاد على يد الإرهاب، بثت قناة «العربية» فيلم الرسالة الذي قام مصطفى العقاد بإخراجه والذي يحكي قصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودعوة قومه للإسلام بطريقة يتأدب فيها الصغار على واحدة من أهم القصص الدينية وترسخ في عقل المشاهد حجم التسامح الذي كان النبي محمد يتمتع به تجاه قومه الكفار والصمود في الدعوة الحليمة.

موت العقاد ضمن ضحايا مسلمين في الحادث فعل من شدة بشاعته يمكن للعاقل أن يؤمن بنظريات المؤامرات والقول إنه فعل إسرائيلي. لكن رسالة الزرقاوي نفت ذلك وأعلنت مسؤوليته، واصفا فعله بأنه ضربة شريفة لبلاد الأردن التي اسماها بالجدار الإسرائيلي، وأنها انتقام للإسلام والفلسطينيين، من دون أن تشرح لنا كيف أن قتل رجل ـ في التفجير ـ اهتم بأن تكون واحدة من أهم أعماله تقديم وشرح رسالة الإسلام في صورة جميلة وعظيمة باللغتين العربية والإنجليزية.

لا تستطيع أن تشرح كيف يدافع الزرقاوي عن فلسطين بقتل أناس عزل هم في الأصل فلسطينيون يحتفلون بعرس، وقتلاه كلهم عرب ومسلمون.

رسالة الزرقاوي التي تزامنت مع وقت عرض فيلم «الرسالة» تبين مدى الفرق بين الرسالتين، فالمقتول العقاد رسالته ناصعة البياض عمرها عشرون عاما، وستظل حتى بعد مماته، بينما بدت رسالة الزرقاوي ملطخة بالدم تراه على وجوه أهل العرس من نساء وأطفال وشيوخ وشباب عزل.

الرسالتان المتناقضتان في غاية الوضوح والبداهة، لكن رغم ذلك ستجدون من يشفع للزرقاوي فعلته ويردد وراءه أن في فعلته انتقاما شريفا للفلسطينيين، ويصف عمليات الزرقاوي بـ«فعل مقاومة»، وأن أفعاله هو وشيخه بن لادن، هي فعل الكرامة الوحيد والشجاع حيال أميركا وأنظمتها التابعة.

هذه التبريرات هي بذور لإرهاب يتنامى, يجهل حقوق الناس وقيمتها، يرى أن الخلاف يبرر القتل، وبذوره تنتشر في فكر المعادين لكل تيار فكري مختلف عنهم، تجدها في الفكر الذي يبرر الجريمة كما جرى في حادثة الباندا الشهيرة، فراح هذا الفكر يجمع قش التبرير ليشعل منه نارا عظيمة ويؤسس لقاعدة أن الفتيات اللاتي يخرجن مع شباب يستحققن ما حدث لهذه الفتاة، وهو الفكر ذاته الذي ما أن ظهرت فتيات يمشين في شارع النهضة فتمتهن كرامتهن وأمنهن النفسي والجسدي ويتحرش بهن شباب حتى راحت العقول ذاتها تبحث عن تبرير لها في طول العباءة التي لبسنها ونوع النيات التي خرجن بها.

الإرهاب لا يخرج فجأة مثل وباء غامض وعصي على التفسير، بل تبدأ بذوره تنمو على مهل في قصص وحكايات وأمثال شعبية، يدعمها سلوك مسكوت عنه ثم آيديولوجيا تغزل شباكها السوداء في العقول، وتشتعل كما النار في الهشيم، تماما مثل نكتة أبو راشد وأبو صالح اللذين بدآ في جلسة دردشة قصيرة بتكفير مسلمي أوروبا الشرقية، وعندما رعيا نارها أحرقت ثوبهما وانتهيا بتكفير كل منهما للآخر، هكذا تبدأ المسرحية.

[email protected]