عندما تراهن سوريا على حلفائها في لبنان

TT

كثيرة هي الملاحظات التي يمكن الخروج بها، من الخطاب الذي القاه الرئيس السوري بشار الأسد يوم السبت الماضي في جامعة دمشق. لا سيما وقد كشف الخطاب «الأسلحة» التي يعتمد عليها النظام في سوريا، والمراهنات التي يراهن عليها. ويجدر القول ان سلاحه الامضى هو وهن الجبهة الداخلية اللبنانية من ناحية الافراد وربما الاحزاب، لكن ليس من الناحية الجغرافية، ولا يوجد هناك اعتقاد بأن الرئيس السوري إذا اراد ان «يغزو» لبنان هذه المرة فإنه سيختار البدء من مدينة طرابلس، العاصمة الثانية للبنان بعد بيروت، وهو سماها طرابلس الشام في خطابه، بطريقة تنم عن «رعونة» في تفكير من لفته الى ذلك. لقد أخذ الرئيس السوري على اللبنانيين «قلة الوفاء وقلة الأخلاق»، هكذا حرفياً، ولم يتنبه، او ربما سها عن بال المستشارين لديه ان يضيفوا الى الخطاب عبارة تعزية الى الاردن الذي كان تعرّض الى أبشع عملية ارهابية، رغم ان «الوفاء» للشعوب العربية يتطلب تقديم التعزية عند الموت، فكيف اذا كان الموت جرى قتلاً على ايدي مخططات ارهابية.

ليس معروفاً ايضاً ما إذا كان وفاء «حزب الله» اللبناني و«حركة أمل»، هو الوفاء الذي تحتاجه سوريا كدعم لها في مواجهة ما تعتقده من مخططات تُحاك ضدها. هناك مثل بريطاني يقول: من كان لديه مثل هؤلاء الأصدقاء، فلا حاجة له الى أعداء،لأن خروج وزراء «حزب الله» وحركة «أمل» وبينهم وزير الخارجية فوزي صلوخ، من جلسة مجلس الوزراء كان بمثابة «خطيئة» تجاه التزاماتهم الوطنية اللبنانية، وتجاه الطائفة الشيعية، وتجاه سلاح المقاومة إذ هم يقولون إنه فقط ضد إسرائيل ومن أجل الدفاع عن «الارض اللبنانية». اما لماذا خطيئة، فلأن هناك كثيرين يقولون إن سلاح حزب الله مسألة حوار لبناني داخلي، بمعنى رفض تطبيق القرار الدولي 1559، ومن ضمن هذا الحوار هناك من يطرح دمج قوات «حزب الله» بالجيش اللبناني كمخرج، فكيف سيكون وضع الجيش في المستقبل إذا كانت له أكثر من مرجعية؟

الغريب ايضاً ان الوزراء المنسحبين برروا انسحابهم بأنه لا بد من العودة الى مرجعياتهم ! وإذ بهذه المرجعيات في اليوم التالي تشن هجوماً على التوجه اللبناني وتدافع عن طروحات الرئيس السوري، وتبدو وكأن كلمة السر وصلتها هي الأخرى من مرجعياتها، للقيام بزيارات الى من كانوا وظلوا حلفاء لسوريا، ثم تدعو الى تسيير مظاهرات (في بعلبك)، تندد برئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة وتردد انها لا تريد «أن تكون تحت إمرة عبد مأمور»! وأيضا ليقول الشيخ نعيم قاسم نائب الامين العام لحزب الله إنه «من حق الولايات المتحدة ان تخشى على لبنان لأنه أصبح بمثابة الولاية الاميركية الواحدة والخمسين». ثم ليطمئن الرئيس السوري بأنه طالما ان الحزب موجود فإن سوريا محمية وكأن شهادات الوطنية المعترف بها مقتصر توزيعها على الحزب ودمشق فقط. من المؤكد أن سوريا ليست في وارد الاعتماد في حمايتها على «حزب الله» او على تصدع الوضع في لبنان، لأن هذا يُعتبر إهانة لجيشها وشعبها وقيادتها، وهي بالطبع بدأت تُظهر بالتصرفات والأعمال انها تتعاون مع الذين اتهمت اللبنانيين بأنهم يتآمرون معهم عليها، ولمعرفة تفاصيل ذلك على المرء متابعة نشاطات وتصريحات السفير السوري لدى واشنطن عماد مصطفى، فهو أرسل بطلب من حكومته رسالة مفصلة الى نواب الكونغرس الاميركي مفادها أن بلاده انتهت من بناء جدار على الحدود السورية ـ العراقية بطول 210 كلم، وارتفاع اربعة امتار لمنع تسلل الارهابيين الى العراق، وان الجيش السوري اقام 540 نقطة مراقبة تبعد الواحدة منها عن الاخرى ما بين 400 متر وثلاثة كيلومترات، حسب حساسية المنطقة، وقال في رسالته المؤرخة في الخامس من اكتوبر (تشرين الاول) الفائت، والتي تسلمت نسخة منها العضوة في الكونغرس سو كيللي، «إنه نتيجة للجهود السورية، فقد تم اعتقال أكثر من 1500 شخص سلمتهم دمشق الى دولهم او اودعتهم السجون السورية».

إن مشكلة النظام السوري تكمن في اعتقاده بأن ما حصل في العراق سيتكرر حدوثه في سوريا، وإذا كان وزير الخارجية السوري فاروق الشرع في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد يقوم بدور المستمع والمنفذ، إلا انه في عهد الرئيس بشار الاسد يقوم بدور المستشار، حسب ما قال لي مصدر سوري مطّلع، مضيفاً، ان من كانوا على تنافس في عهد الأب توافقوا في عهد الابن، ومن اعترض او رفض التوافق لأسباب مختلفة، إما أُبعد او رحل الى الخارج. ويضيف محدثي، «ان المشكلة، هي ان الرئيس كان بعيداً عن والده اثناء معالجة الاخير للمشاكل الحساسة التي عبرت بسوريا، وانه في المدة الأخيرة كان يستقبل بمفرده الوفود العربية المهمة ويستمع الى ما تقوله من إرشادات ونصائح، وبعد مغادرة الوفود يدخل من يسمونهم في سوريا بالحرس القديم، وينسفون بطريقتهم كل ما كان استمع اليه الرئيس، مع العلم أنهم بعيدون جداً عن مراكز القرار في الخارج ويرفضون تصديق ما يبعث به السفراء السوريون، الى درجة ان الرئيس نفسه صار مقتنعاً بأن كل تقرير القاضي الالماني ديتليف ميليس موجه في الاساس ضد سوريا وسيادتها ونظامها، مع العلم ان الشعب السوري ليس مهتماً بالتقرير وما يقتصه من السيادة التي صارت بمثابة قميص عثمان، بل بتوفير مدارس وجامعات افضل مستوى، وفرص عمل أكثر، ومساكن أرخص، ومستقبل حر، وكذلك فهو مهتم بالا يكون احد من عناصر النظام متورطاً بعملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وإن كانت الشكوك صارت تراود الاغلبية»

ما يشير الى صحة معلومات محدثي عن سيطرة ارشادات الحرس القديم على تفكير الرئيس السوري، وعدم اطلاع هذا الفريق على ما يجري من مداولات في الخارج عن الوضع السوري، الخطاب الذي القاه بشار الاسد، فقد أظهر الدوامة التي تشعر دمشق بانها حُشرت فيها، وأظهر ايضاً حال الارتباك الذي يسيطر على الرئيس السوري، وهو كرر في خطابه ما قاله لمبعوثين التقوه، «إنه سيذهب مع تقرير ميليس الى الاخير، رغم تخوفه من ان الاميركيين لن يتوقفوا عند هذه المطالب».

ان الدائرة المحكمة التي يحشر رجال الحرس القديم انفسهم فيها وتتراوح بين النضال والتحرير وزعزعة الاستقرار في لبنان، باعتباره الحلقة الاضعف في نظرهم والأكثر احتمالا للتجاوب مع دعوات «الوفاء» لسوريا ولو على حساب لبنان، والتركيز على المبادىء الاستراتيجية لسوريا، التي تعني السيطرة على لبنان، والتحكم ببعض الفصائل الفلسطينية وإيجاد دور في العراق، كل هذه لن تؤدي الى النتيجة المتوخاة من قبلهم، لأن النظام السوري حتى الآن غير معّرض للخطر، انما سيكون الرئيس السوري رئيساً لسوريا فقط، وهذا صار حتمياً، وقد وضع مدير الامن الوطني الاميركي جون ناغروبونتي تقريراً نصح فيه بعدم تغيير النظام في سوريا، لأن بشار الاسد يبقى افضل من البقية في دائرته. ولم يتوقع التقرير الذي انتهى اعداده في الخامس من شهر سبتمبر (ايلول)، ان تتم الاطاحة بالرئيس السوري من قبل المعارضة السورية بما فيها الاخوان المسلمين اقوى الاطراف المعارضة في سوريا وعلى علاقات مع تنظيم القاعدة، بل اشار الى احتمال ان يطيح به شقيقه ماهر الاسد رئيس الحرس الجمهوري وآصف شوكت رئيس الاستخبارات العسكرية، او مزيج من ضباط علويين وسنّة. ويقول مصدر اميركي اطّلع على التقرير، إن ناغروبونتي، دعا في توصية مدعومة من وزارة الخارجية الى حملة دبلوماسية تخفف الى اقصى حد من الدعم الدولي لنظام الرئيس السوري، كما ان التقرير يقلل من قيمة الحملة التي تقوم بها مجموعات من المعارضة السورية في كواليس الكونغرس وداخل الادارة الاميركية، ويستبعد احتمال ان يحل رفعت الاسد عم الرئيس محله وهو الذي امضى اكثر من عشرين عاماً في الخارج، ثم ان واشنطن كانت ابلغت دمشق في السابق عن محاولة رفعت الاسد الرجوع عن طريق مرفأ اللاذقية. وكان التقرير درس احتمالات ردود الفعل الاميركية على دعم سوريا للجهاديين في العراق، ومنها تحريك الحركة الانفصالية الكردية ضد النظام، ويضيف المصدر عن ناغروبونتي الذي عمل سفيراً لبلاده في بغداد، ان الدرس الذي تعلمه، هو ان الاطاحة بالأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي لا تؤدي بالضرورة الى الديموقراطية، بل تؤدي إما الى المزيد من الفوضى الدموية او الى نظام إسلامي متطرف.