الحرب .. التي يريدها الكل

TT

إذا كان الكل يريد الحرب... فمن سيمنعها؟

تبادر إلى ذهني هذا الخاطر أخيراً من واقع متابعتي الملتقيات والمواقف السياسية في عالمنا العربي، المنهك القوى، المنعدم البوصلة، المتناقض مع ذاته في كل يوم... بل كل ساعة.

فحيثما تفحّص الواحد منا حال العالم العربي اليوم، يلحظ سعياً حثيثاً نحو حرب. نعم... حرب حقيقية يأمل الكل ـ على ما يبدو ـ أن تحسم الأمور العالقة محلياً وأيضاً على المستويين العربي والإسلامي.

وسواء بدأنا من الدول المعنية مباشرة أو من الصورة العامة الكاملة، فلن يتغير في الحقيقة التعسة شيء. أما السؤال الأكبر والأخطر، القديم والجديد، فهو أين يقف مخططو الحرب ومبرمجوها «الكبار» من احتمالات الفتنة الشيعية ـ السنيّة المنتقلة من العراق إلى جيرانه؟ وهل استقر رأي اللاعبين المحليين نهائياً على الانضمام إلى القاطرتين المتقابلتين على سكة الصدام المفجع؟

الحالة العراقية، رغم كل ما يقال، يتّسع فيها الخرق النفسي بين السنّة والشيعة، والعرب والأكراد والتركمان. ومع أن المتفائلين من مناصري العلمانية والتعايش يحلمون بانتصار لقائمة الدكتور إياد علاوي وحلفائه (من السنة والشيعة) يقلّص الأغلبية الضخمة التي يتمتع بها من يوصفون بـ«حلفاء إيران»، فإن استمرار سياسة العصا الأميركية الغليظة في الأنبار وصلاح الدين وباقي مناطق السنة من شأنه خدمة التشدد السنّي، الذي سيبرر في الشارع الشيعي مزيداً من التلاحم مع إيران.

الحالة السورية، أيضاً دخلت مرحلة «الرهان صفر» كما عكس خطاب الرئيس بشار الأسد الأخير، المستند إلى حكمة «اشتدي أزمة تنفرجي». فهو ـ رداً على الضغوط الغربية المتزايدة على نظامه ـ اختار ملوّحاً بالفوضى ورمي المنطقة كلها في المجهول. ومما أقنع الرئيس السوري بهذا الخيار كون التشدد هو سمة المرحلة عند اللاعبين الثلاثة الكبار من غير العرب، أي واشنطن وطهران وتل أبيب.

ومن سورية إلى الحالة اللبنانية، التي تتأكد أكثر فأكثر خطورتها على المنطقة برمتها. فبعدما قررت دمشق أنها تواجه «حرباً» تشن عليها دولياً وغربياً من لبنان، سارت بالمواجهة عبر خلخلة الوضع الداخلي اللبناني... التي كان حلفاؤها التكتيكيون قد بدأوها بتسريع عودة العماد ميشال عون واستغلالهم طموحه الرئاسي بهدف ضرب معارضيها، ومن ثم محاولة تأمين الغطاء الإسلامي له.

ومن المفارقات المدهشة انه بينما انهمك الإعلام الرسمي السوري بمهاجمة الحكومة اللبنانية لـ«عبوديتها» لأميركا، وأيد وزراء «حزب الله» وحركة «أمل» الشيعيان ونوابهما مواقف دمشق بقوة، ... وبينما تحالف الحزب والحركة علناً مع «العونيين» في انتخابات النقابات المهنية والاتحادات الطلابية في الجامعات، كان عون نفسه ينسّق في الولايات المتحدة تحركاته المقبلة مع النائبين إيليوت إينغل وإيليانا روس ليهتنن... أبرز رعاة «قانون محاسبة سورية» الذي مهّد لإصدار القرار الدولي 1559!!!

في هذه الأثناء، كانت واشنطن تستضيف كذلك مؤتمراً قبطياً يضغط باتجاه تغيير الأوضاع في مصر، وتونس تستقبل ابنها «البار» سيلفان شالوم، وزير الخارجية الإسرائيلي، تحت غلالة مؤتمر تقنية المعلومات. وترد تقارير متسارعة عن سباق خليجي على التطبيع مع إسرائيل... أحدثه اتفاق التعاون الجوي لنقل الركاب بين شركة الطيران القطرية وشركة أركيا الاسرائيلية عبر المطارات الأردنية.

وفي غير دولة عربية ثمة كلام علني في الأوساط السنيّة اليوم عن أنه لا فارق بين إسرائيل وإيران. بل في بعض الدول تجاوز صريح لهذا القول مفاده أن العدو الحقيقي للمنطقة إيران لا إسرائيل. وبطبيعة الحال يرفض معظم الشيعة في العراق ولبنان ودول أخرى أي تفكير بهذا الاتجاه، ويعتبرونه المبرّر الخفي لعقد السنّة صفقة استراتيجية مع إسرائيل لضرب إيران وتحجيمها.

وسط هذا «السيناريو» الكئيب الخطير تحيط علامتا استفهام بعنصرين مؤثرين في المنطقة، الأول يتصل بخيار واشنطن إذا خرج مشروع «الفوضى المنظمة» عن انتظامه. والثاني بالمشروع البن لادني ـ الزرقاوي الذي سيكون لافتاً كيف سيتحرك عند اصطفاف جيوش الإسلام المقاتلة لارتكاب «مأثرة» الانتحار الجماعي.