PARDON

TT

وصلتني هذه الرسالة من صاحبها الذي (داخ السبع دوخات) بسبب ضياع حقيبته، وكان مسافراً على طيران الشرق الأوسط MEA شجرة الأرز طبعاً، وهي شركة عريقة ومن أقدم شركات الطيران العربية، وتأسست على ما أظن في سنة 1945، وانتكست وكادت تموت مثلما مات الكثيرون إبان الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان، غير أن عمر (السعيد بقي)، وعادت الشركة مرّة أخرى من تحت الرماد مثلما طائر الفينيق.

صاحب الرسالة متألم جداً ـ ومن حقه أن يتألم ـ ولو أنني كنت في مكانه فمن المحتمل جداً أن ابكي، خصوصاً لو كان في الشنطة بعض أغراضي التي لا استغني عنها، ولا اسمح لأحد أن يطلع عليها خوفاً من الفضيحة، غير أنني فهمت أن هناك تقارير طبية، وصور أشعة، وأوسمة، وأوراقاً مهمة جداً، بالإضافة إلى ملابس، ويقول في رسالته:

«استنفدت كل الوسائل مع مكتب الشركة بجدة التي لم تلق أي تجاوب، لدرجة أن مسؤولاً بالشركة قال بالحرف الواحد: «العمر يضيع ما بدك شنطة تضيع».

«حين أغلقت الأبواب بوجهي في جدة اتجهت إلى الشركة ببيروت عبر الهاتف ولمدة طويلة من دون جدوى.

«أخيرا لجأت إلى صاحب السعادة رئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط ، الذي تحصلت على شرف محادثته بعد جهد جهيد وخضوع لسيل من الأسئلة وبعد أن تأكدت سكرتاريته وحراسه بأنني لست بإرهابي ولا انتمي لـ «القاعدة» ولست مصابا بالإيدز، وتعهد بألا أكون مسلحا أثناء المحادثة الهاتفية مع سعادته، أنعَم عليّ بشرف محادثته وكان قمة في «التواضع» والتعالي والكبرياء، ورجوته وتوسلت إليه ملتمساً المساعدة. وكانت المكالمة وكأنها لم تكن.

« نمى لعلمي من احد الوسطاء أن سعادته قرر التفضل عليّ ومنحي تذكرة سفر من جدة لبيروت مجانا جزاه الله خيرا على حاتميته.

«سافرت لبيروت في محاولة يائسة، وتفضل عليّ صديق عزيز، نائب بالبرلمان ووزير سابق بالحكومة اللبنانية، وبعث لسعادة الرئيس برسالة عبر احد أصدقائه وما من مجيب.

«وتفضل عليّ صديق عزيز آخر، وزير سابق بالحكومة اللبنانية، وطلب سعادته على الهاتف بحضوري ولم يتمكن من محادثته، غير انه طلب من سكرتيرته إبلاغه بأن يجري محادثة هاتفية معي لإرضائي على الأقل، وما من مجيب».

ويمضي في رسالته قائلاً: إن رئيس الشركة تفضل أخيراً أن يقدم الاعتذار، لكن ليس مباشرة، إنما عن طريق السفير السعودي بلبنان ـ أي أن السفير ينقل لصاحب الشنطة الضائعة اعتذار رئيس الشركة.. وهذا ذكرني بأحد مشايخ البدو من الأعراب، وكان مشهوراً بكبريائه (الفالصو)، فعندما يأتي إليه شخص يقرئه السلام، كان لا يرد عليه مباشرة، إنما يطلب من احد حاشيته أن يخاطب ذلك الشخص نيابة عنه: الشيخ يقول لك: مرحبا يا سعادة رئيس الشركة إن صاحب الحقيبة المفقودة يئس خلاص من الحصول على حقيبته ولا تشيل هم (وخلي قلبك على كراسيه)، وأصبح يضرب كفاً بكف، وهو الآن لا يطلب سوى الاعتذار من فوضى شركتكم الموقرة، فإن استطعت أن تقول آسف، فسوف يرد عليك ببعض الشكر، وإن لم تستطع فعلى الأقل قل PARDON، لكي يرد عليك هو بـ MERCI بصوت خافت.. وكان الله يحب المحسنين والضائعين مع (شنتاتهم)!.

[email protected]