ما باليد حيلة

TT

كنت أجلس مساء أمام التلفزيون حين بدأ برنامج الحادية عشرة تقريبا، وظهرت مقدمته بدون المؤثرات الصوتية، التي عادة ما تكون موسيقى تصويرية تهبط معها أسماء المشاركين في إعداد البرنامج، من مذيع وضيوف ومخرج ومهندس ديكور.

ما أثار استغرابي، أن هذه المقدمات الصامتة عادة هي للبرامج المسائية المبكرة ذات الطابع الديني، وليست برامج المساء والسهرة. هذه الإشارة لوحدها استدعت توقفي للنظر في طبيعة الضيف الذي يظهر في مساء متأخر، في ظهور متحفظ من وجود موسيقى هادئة. فوجئت أن الضيف كان واحدا من أعضاء جمعية حقوق الإنسان الأهلية، التي أنشئت في عام 2004، وكأنه بظهوره ذلك يمنح طابعا لمؤسسة أهلية يمثلها ترفض ظهور موسيقى مصاحبة مع برامجها.

شرح الضيف بعض ملامح عمل الجمعية، مؤكدا بين عبارة وأخرى أن الجمعية هي آخر المآل وليس أوله للمشتكين، كما عبر عن أن ميزانية الجمعية الأهلية من التبرعات.

اليوم بعد أن مضت سنتان تقريبا على إنشاء الجمعية الأهلية في السعودية، لم نسمع عن جدول لعمل هذه الجمعية، ولم يقرأ أحد منا تقريرا سنويا لما أنجزته هذه الجمعية، كما لم يلمس أحد منا، من قريب أو بعيد، إنجازا لافتا للنظر، كما يحدث في تاريخ الجمعيات الأهلية لحقوق الإنسان في العالم، بل إن أخبار حضورها لمحاكمات بعض المواطنين، الذين طلبوا حضورها، أشارت إلى أن بعض القضاة يرفضون حضور الجمعية، وكأنهم لا يعرفون حتى اليوم تنظيما قضائيا يكفل حضورها.

أما عن التبرعات، وهو الباب الذي يستدعي شفافية متميزة، للكشف عن آلية العمل المالية، فلم نسمع حتى اليوم عن حملة جمع تبرعات، ولا عن جدول منظم يكفل للجمعية الصرف على نفسها، حسب ما أعلنته، من الباب الأهلي.

أعلنت الجمعية منذ أشهر أنها لا تتمتع بسلطة تنفيذية، مثلها مثل جميع الجمعيات الأهلية في العالم، وهذا معروف، لكنها بالتأكيد تمتلك دورا تثقيفيا هائلا داخل المجتمع، فهي من يشرح للمواطنين حقوقهم والقنوات التي توصل إليها وتسهيل المعوقات الناشئة عن بعض الممارسات الخاطئة، سواء من قبل أفراد أو مؤسسات، لكننا حتى اليوم للأسف لا نلمس من جمعية حقوق الإنسان الأهلية غير حضور شكلي متخف عن الأنظار والأسماع، وما آمله ألا تتفوق جمعية حقوق الإنسان الحكومية القادمة على الجمعية الأهلية، لتنقلب الآية وتصبح أول جمعية أهلية لحقوق الإنسان لدينا وكأنها دائرة حكومية شغلها الشاغل صادر ووارد وراجعنا بكرة، وما باليد حيلة!

[email protected]